اغسطس 6, 2025 | | هذا المنشور متوفر أيضاً باللغة: الإنجليزية
قصة البرنامج السوري للتطوير القانوني (SLDP) مرآة لتقلبات الثورة السورية وتحولاتها إنها ليست فقط حكاية مؤسسة حقوقية، بل سيرة نضال متواصل، تجمع بين الإبداع القانوني، والإيمان العميق بالعدالة، والقدرة على التكيف مع واقع متغير ومعقد.
التأسيس في المنفى: بذور ثورية في بيئة قانونية دولية
مع انطلاق الثورة عام 2011، آمن العديد من السوريين والسوريات في المنفى بقضية الشعب وشاركوا طموحات الحرية والكرامة. شارك مؤسسو البرنامج في احتجاجات بالمملكة المتحدة، وشرعوا في استثمار معرفتهم بالقانون الدولي وحقوق الإنسان لبناء أدوات ومؤسسات قانونية فعالة.
مرحلة تنفيذ القانون (2013–2015): التزامات في زمن السلاح
مع اتساع رقعة سيطرة المعارضة المسلحة على الأرض، بدأ البرنامج في عام 2013 بتقديم تدريبات حول القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان لعدد من الجهات الفاعلة غير الحكومية، ممن تسلموا مهام الدولة في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام. أطلق البرنامج في عام 2014، بالشراكة مع منظمات أخرى، مشروعاً حول ضمانات المحاكمة العادلة في هذه المناطق، في محاولة لخلق نموذج قضائي يحترم حقوق الإنسان، رغم السياق الأمني والسياسي الهش.
مرحلة التحول (2016–2019): تحديد الأولويات وبناء المؤسسات المدنية
مع ظهور المجتمع المدني كمكون فاعل، أعاد البرنامج صياغة أولوياته. فتحولت جهوده نحو دعم منظمات المجتمع المدني السوري، من خلال وحدة الدعم بالقانون الدولي التي ركزت على توفير تدريبات متقدمة حول القانون الدولي الإنساني، والقانون الدولي لحقوق الإنسان، والقانون الجنائي الدولي، وما يشمل من توثيق الجرائم، ومعايير إثباتها. لم يعد الهدف فقط هو المحاسبة، بل بناء مؤسسات مدنية قادرة على الدفاع عن الحقوق والحريات الأساسية في المستقبل، حتى في ظل تراجع الأفق السياسي.
وفي عام 2019، أطلق البرنامج السوري للتطوير القانوني وحدة الأعمال التجارية وحقوق الإنسان، كخطوة نوعية سباقة في السياق السوري. جاءت هذه الوحدة استجابة للقلق المتزايد من دور الشركات الخاصة — السورية والدولية — في تمويل أطراف النزاع أو استغلال السياقات غير المستقرة لتحقيق أرباح اقتصادية على حساب الحقوق الأساسية.
مثلت هذه الخطوة توجّهاً جديداً للبرنامج نحو العدالة الاقتصادية كجزء من مسار العدالة الشاملة في سوريا، وكانت من أوائل المبادرات الحقوقية السورية التي تناولت العلاقة بين الاقتصاد وحقوق الإنسان من منظور منهجي ومؤسسي.
مرحلة التثبيت والتنظيم (2020–2023): الإفلات من العقاب طويل الأمد والتكيف الاستراتيجي
مع تحول النزاع السوري إلى أزمة إقليمية طويلة الأمد واستمرار بيئة الإفلات من العقاب، وسّع البرنامج السوري للتطوير القانوني (SLDP) من خلال وحدة الدعم بالقانون الدولي التابعة له، نطاق دعمه القانوني المخصص ليشمل الجمعيات الناشئة للضحايا والناجين وأُسر الضحايا، وذلك بهدف تمكين هذه المجموعات ومرافقتها في سعيها للمطالبة بحقوقها في الحقيقة والعدالة وجبر الضرر.
بالتزامن مع ذلك، وفي عام 2021، شهد البرنامج انتقالاً في القيادة التنفيذية، حيث غادر المؤسس إبراهيم العلبي منصبه كمدير تنفيذي، لتحل مكانه مديرة تنفيذية جديدة، سنا كيخيا، تقود مرحلة من التخطيط بعيد المدى، بدعم من مجلس إدارة ضم العلبي والشريكة المؤسسة زهرة البرازي.
مرحلة الانعطاف التاريخي (2024–2025): سقوط النظام وبداية البناء
كان ديسمبر 2024 نقطة تحول تاريخية مع سقوط نظام الأسد، وهو حدث قلب موازين العمل المدني والسياسي. انتقل أعضاء مجلس إدارة البرنامج السوري للتطوير القانوني (SLDP) إلى أدوار قانونية استشارية ضمن وزارة الخارجية التابعة للحكومة الانتقالية، وقد استقالوا رسمياً من المجلس ومن جميع المناصب والمسؤوليات الأخرى في البرنامج، وذلك تماشياً مع سياسة تضارب المصالح المعتمدة لدينا، ومن أجل الحفاظ على استقلالية ونزاهة المؤسسة.
وبدأ البرنامج السوري للتطوير القانوني مرحلة جديدة محافظاً على نفس مبادئه السابقة واستقلاليته واتساق عمله مع مبادئ القانون الدولي وضمانات حقوق الإنسان. مرحلة تعتمد على استراتيجيات بناء مؤسسات الدولة على أساس احترام القانون وسيادته، مع التركيز على ملفات العدالة الانتقالية، وضمانات عدم التكرار، والانتقال الديمقراطي، يضاف لها التركيز على الجرائم الاقتصادية والعناية الواجبة بحقوق الإنسان، كل ذلك بدعم من مجلس الإدارة الجديد الممثل بالمحامية إلهام السعودي، المحامي نديم حوري، والدكتور محمد كتب.
وعليه، أطلقت المؤسسة رؤية جديدة تحت اسم SLDP “حرّة”، وهي مرحلة استندت إلى الخبرات المتراكمة خلال أكثر من عقد من العمل، لكنها اعتمدت تكتيكات جديدة تتماشى مع تحديات وفرص ما بعد سقوط النظام، مستفيدة من فضاء عمل مدني وحقوق أوسع من السابق، وفرصة جديدة لسوريا للعدالة والمحاسبة وإعادة بناء مؤسسات الدولة بطريقة تضمن سيادة القانون وضمان عدم التكرار وحماية حقوق الإنسان والحفاظ على الحقوق الأساسية.
من الثورة، إلى الحرب، إلى سقوط النظام, يشكّل البرنامج السوري للتطوير القانوني (SLDP) مثالاً واضحاً على صمود المجتمع المدني السوري وقدرته على المقاومة القانونية والحقوقية حتى في أقسى الظروف. واليوم، نواجه في البرنامج السوري للتطوير القانوني مسؤولية تاريخية تتمثل في تحويل نضالنا الطويل إلى مؤسسات خاضعة للمساءلة وتحترم الحقوق، تعزز مبدأ المحاسبة وسيادة القانون، وتضمن عدم تكرار الانتهاكات والتحول الديمقراطي، وتعيد ثقة السوريين بالقانون والحكم الرشيد والعدالة.
“إن مسيرة البرنامج السوري للتطوير القانوني تمثّل دليلاً حيًّا على إيماننا الجماعي بأن القانون يمكن أن يكون أداة للمقاومة وإعادة البناء في آنٍ واحد. من زمن التحدي إلى هذا العصر الجديد من إعادة الإعمار، نمضي قدماً برؤية متجددة بفريق فريد ومتَفانٍ، مشبع بروح العدالة وحقوق الإنسان. لم تتغير رسالتنا في بناء سوريا قائمة على سيادة القانون وحقوق الإنسان، بل تعززت أخيراً بقدرتنا على توظيف خبرتنا القانونية ونهجنا الاستراتيجي داخل سوريا، ومع سوريا، ومن أجل كل السوريين والسوريات.”
— سنا كيخيا، المديرة التنفيذية للبرنامج السوري للتطوير القانوني