مايو 23, 2025 | هذا المنشور متوفر أيضاً باللغة: الإنجليزية
استقبلت الروابط والمنظمات والتجمعات الموقعة على هذا البيان صدور المرسوم رقم 20 الصادر عن رئيس الجمهورية العربية السورية في المرحلة الانتقالية، السيد أحمد الشرع، بتاريخ 17 أيار 2025، والقاضي بإنشاء الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية، بمزيج من الأمل والقلق. ففي حين كان المرسوم خطوة ترقبها السوريون-ات طويلًا لما لها من أهمية عظيمة في فتح مسار وطني نحو العدالة الانتقالية، إلا أن نصه يثير مخاوف أساسية تتعلق بمنظور الهيئة وصلاحياتها وتأثيره المُحتمل على قدرتها على معالجة إرث دامٍ ومديد من الفظائع والانتهاكات بما يكفي من شمول وعدل لازمين، بل وضروريين، من أجل التعافي الوطني، كما على مدى اتساق هذه الصلاحيات مع مبادئ الإعلان الدستوري من جانب والقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي من جانب آخر.
أولاً – في مضمون المرسوم والمخاوف الأساسية:
وإذ لا جدل في أن النظام المنحل ارتكب من الجرائم الدولية ومن انتهاكات حقوق الإنسان ما لا يُقارن بأي طرف محلي آخر، سواء لجهة طبيعة هذه الجرائم والانتهاكات أم حجمها أم شدتها أم اتساع نطاقها وانتظام منهجياتها، لكن هذا لا يُلغي حقيقة أن أطرافاً أخرى شاركت أيضًا في ارتكاب فظائع مشابهة، حتى وإن كانت أقل في تواترها وحجمها ونطاقها. فبشاعة هذه الجرائم، مهما كان مرتكبيها، تستدعي الاعتراف بها وإداتنها، وإنصاف ضحاياها، ومساءلة ومحاسبة المسؤولين عنها، دون استثناء أو تمييز، للحيلولة دون انتظامها وتكرارها واتساع نطاقها.
لذا يرى الموقعون/ات أن الكشف الكامل عن هذه الجرائم ومُساءلة ومُحاسبة من تثبت مسؤوليته الفردية عن أيٍ منها، وبغض النظر عن تابعيته أو انتمائه التنظيمي خلال سنوات الثورة والصراع، إنما يؤسس لانتقال سليم وآمن ومكين إلى أوضاع أكثر عدلًا وحرية ومساواة للسورين-ات كافة على قاعدة المواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات، كما تكسر دائرة الإفلات من العقاب، وتحول دون تكرار فظائعه، وتقطع مع ماض يجب أن ينقضي وأن تتحرر منه عقول وإرادات السوريين-ات.
يخشى الموقعون/ات أن يتحول المرسوم إلى مبرر يتم فيه استخدام جزء من الحقيقة لبناء “عدالة” جزئية انتقائية تطرد فئات من الضحايا خارج دائرة المواطنة، فتحرمهم/ن من حقوقهم/ن في الاعتراف والجبر، وتحوّل مبدأ “كشف الحقيقة” إلى امتياز لفئة دون أخرى، وتسخّر المساءلة لتكريس التمييز أو خلق تراتبيات بين الضحايا، في حين أن العدالة تستلزم اعترافًا بحق الانتصاف لجميع الضحايا دون تمييز، بما في ذلك حقهم-ن في إجراء التحقيقات العادلة والنزيهة في جميع الانتهاكات والجرائم، وكل ما تقتضيه مسارات العدالة الانتقالية.
ثانياً – حول التعارض مع الإعلان الدستوري والمواثيق الدولية:
استناداً إلى الإعلان الدستوري للجمهورية العربية السورية الصادر بتاريخ (13 مارس/آذار 2025) فإن اقتصار اختصاصات الهيئة على التحقيق في الجرائم التي ارتكبها طرف واحد فقط، يُخل بمبدأ المساواة المنصوص عليه في المادة 10 منه، ويُهدد بتحويل الهيئة إلى أداة تُميز بين المواطنين-ات الضحايا بدلاً من أن يكون أداة لتحقيق العدالة الشاملة، التي تنصفهم-ن جميعًا دون استثناء أو تمييز.
علاوة على ذلك، فإن القانون الدولي لحقوق الإنسان، والاتفاقيات الدولية المشمولة بمنطوق المادة 12 (2) من الإعلان الدستوري المشار إليه، تنص على وجوب معالجة شاملة لجميع الانتهاكات التي طالت حقوق الإنسان من أجل إنصاف الضحايا، وكشف الحقيقة، وتحقيق المساءلة وجبر الضرر، وضمان عدم تكرار الانتهاكات.
ثالثاً – المطالب الأساسية:
1. إلحاق المرسوم رقم 20 بقانون خاص بالعدالة الانتقالية، تُصدره السلطة التشريعية بعد تشكيلها، بحيث ينص على صلاحيات الهيئة ويُحدّد ولايتها وشروط تعيين أعضائها، على نحو يضمن استقلاليتها ومهنيتها، بناء على أسس تشاورية جدية وحقيقية، يشارك فيها الضحايا والمجتمع المدني وخبراء وخبيرات حقوق الإنسان، للوصول إلى الصياغة المثلى للقانون.
2. بموجب قانون العدالة الانتقالية هذا، تشمل اختصاصات الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية جميع الانتهاكات التي وقعت في سورية بعهدي الأسدين، وإلى حين انتهاء الفترة الانتقالية، لضمان الوقف الفوري للانتهاكات وترسيخ سيادة القانون، وضمان العدالة وعدم الإفلات من العقاب لجميع الأطراف.
3. اعتماد نهج شامل وغير تمييزي للعدالة الانتقالية. يتضمن كشف الحقيقة، المساءلة والمحاسبة، جبر الضرر، وضمانات عدم التكرار، بما في ذلك دعم لجان التحقيق المحلية، مثل اللجنة الوطنية للتحقيق وتقصي الحقائق في أحداث الساحل السوري المشكلة بموجب القرار الرئاسي رقم (3)، واعتبار عملها جزءًا لا يتجزأ من هذا النهج.
4. الحرص على العمل بمضامين المرسوم رقم 20 ليكون منسجماً مع الإعلان الدستوري، والاتفاقيات الدولية المصادق عليها من قبل الجمهورية العربية السورية، والقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، والمعايير التوجيهية للأمم المتحدة حول العدالة الانتقالية.
5. اعتماد نهج مركزية الضحايا وضمان إشراك هيكلي للناجين-ات، وأسرهم/ن، وذوي المفقودين/ات والمختفين/ات قسراً بنسبة مؤثرة في صناعة القرار، وفي تصميم وتنفيذ ومراقبة عمل الهيئة؛ واعتماد معايير للإنجاز وقياس الرضى مبنية على هذا النهج.
6. اعتماد نهج تشاركي وتشاوري مع منظمات المجتمع المدني السوري، والإقرار بدورها الأساسي في تخطيط وتنفيذ ومراقبة مسار العدالة الانتقالية.
7. الشفافية الكاملة في عمل الهيئة، من خلال الإعلان عن النظام الداخلي، وخطط العمل، وآليات اتخاذ القرار، وتقديم تقارير وإحاطات دورية للرأي العام تظهر نتائج العمل والتقدم، بما يتوافق مع المعايير الدولية الموصى بها.
8. التعاون الوثيق مع الآليات الدولية والأممية ذات الصلة، لضمان التكامل، والاستفادة من خبرتها المتراكمة ومواردها لتحقيق تقدم في مسار العدالة والانتصاف.
ختاماً، نؤكد أن هذه اللحظة تمثل فرصة نادرة لإعادة بناء الثقة في الدولة، وفي فكرة العدالة نفسها. إن السلام الأهلي لا يُبنى على تمييز بين الضحايا، ولا على محاسبة انتقائية، بل على قاعدة صلبة من الحقيقة، والكرامة، والاعتراف، والإنصاف. ونُكرر دعوتنا لإعادة النظر في نص المرسوم خلال المهلة المحددة لوضع النظام الداخلي، بما يضمن أن تكون الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية منطلقاً لمسار وطني صادق وشامل نحو سوريا حرة وعادلة.
انتهى
الموقعون-ات:
1. ميثاق الحقيقة والعدالة:
مسار
رابطة تآزر للضحايا
مبادرة تعافي
رابطة عائلات قيصر
عائلات من أجل الحرية
عائلات الحقيقة والعدالة
2. مجموعة السلم الأهلي
3. حقوقيات
4. سوريون من أجل الحقيقة والعدالة
5. منطمة ريليزمي
6. العدالة من أجل الحياة
7. النساء الآن للتنمية
8. مبادرة بدايتنا- سوريا للجميع
9. رابطة عائلات المفقودين على طريق اللجوء AFOMAS
10. جمعية التنمية المستدامة
11. جمعية ليلون للضحايا
12. حملة فلسطينيي سوريا للكشف عن مصير المعتقلين والمختفين قسرياً
13. البرنامج السوري للتطوير القانوني
14. رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا –
15. دولتي – Dawlati