بيان حول المرسوم رقم 20 القاضي بإنشاء الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية

مايو 23,  2025        |   هذا المنشور متوفر أيضاً باللغة: الإنجليزية

استقبلت الروابط والمنظمات والتجمعات الموقعة على هذا البيان صدور المرسوم رقم 20 الصادر عن رئيس الجمهورية العربية السورية في المرحلة الانتقالية، السيد أحمد الشرع، بتاريخ 17 أيار 2025، والقاضي بإنشاء الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية، بمزيج من الأمل والقلق. ففي حين كان المرسوم خطوة ترقبها السوريون-ات طويلًا لما لها من أهمية عظيمة في فتح مسار وطني نحو العدالة الانتقالية، إلا أن نصه يثير مخاوف أساسية تتعلق بمنظور الهيئة وصلاحياتها وتأثيره المُحتمل على قدرتها على معالجة إرث دامٍ ومديد من الفظائع والانتهاكات بما يكفي من شمول وعدل لازمين، بل وضروريين، من أجل التعافي الوطني، كما على مدى اتساق هذه الصلاحيات مع مبادئ الإعلان الدستوري من جانب والقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي من جانب آخر.

أولاً – في مضمون المرسوم والمخاوف الأساسية:

وإذ لا جدل في أن النظام المنحل ارتكب من الجرائم الدولية ومن انتهاكات حقوق الإنسان ما لا يُقارن بأي طرف محلي آخر، سواء لجهة طبيعة هذه الجرائم والانتهاكات أم حجمها أم شدتها أم اتساع نطاقها وانتظام منهجياتها، لكن هذا لا يُلغي حقيقة أن أطرافاً أخرى شاركت أيضًا في ارتكاب فظائع مشابهة، حتى وإن كانت أقل في تواترها وحجمها ونطاقها. فبشاعة هذه الجرائم، مهما كان مرتكبيها، تستدعي الاعتراف بها وإداتنها، وإنصاف ضحاياها، ومساءلة ومحاسبة المسؤولين عنها، دون استثناء أو تمييز، للحيلولة دون انتظامها وتكرارها واتساع نطاقها.

لذا يرى الموقعون/ات أن الكشف الكامل عن هذه الجرائم ومُساءلة ومُحاسبة من تثبت مسؤوليته الفردية عن أيٍ منها، وبغض النظر عن تابعيته أو انتمائه التنظيمي خلال سنوات الثورة والصراع، إنما يؤسس لانتقال سليم وآمن ومكين إلى أوضاع أكثر عدلًا وحرية ومساواة للسورين-ات كافة على قاعدة المواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات، كما تكسر دائرة الإفلات من العقاب، وتحول دون تكرار فظائعه، وتقطع مع ماض يجب أن ينقضي وأن تتحرر منه عقول وإرادات السوريين-ات.

يخشى الموقعون/ات أن يتحول المرسوم إلى مبرر يتم فيه استخدام جزء من الحقيقة لبناء “عدالة” جزئية انتقائية تطرد فئات من الضحايا خارج دائرة المواطنة، فتحرمهم/ن من حقوقهم/ن في الاعتراف والجبر، وتحوّل مبدأ “كشف الحقيقة” إلى امتياز لفئة دون أخرى، وتسخّر المساءلة لتكريس التمييز أو خلق تراتبيات بين الضحايا، في حين أن العدالة تستلزم اعترافًا بحق الانتصاف لجميع الضحايا دون تمييز، بما في ذلك حقهم-ن في إجراء التحقيقات العادلة والنزيهة في جميع الانتهاكات والجرائم، وكل ما تقتضيه مسارات العدالة الانتقالية.

ثانياً – حول التعارض مع الإعلان الدستوري والمواثيق الدولية:

استناداً إلى الإعلان الدستوري للجمهورية العربية السورية الصادر بتاريخ (13 مارس/آذار 2025) فإن اقتصار اختصاصات الهيئة على التحقيق في الجرائم التي ارتكبها طرف واحد فقط، يُخل بمبدأ المساواة المنصوص عليه في المادة 10 منه، ويُهدد بتحويل الهيئة إلى أداة تُميز بين المواطنين-ات الضحايا بدلاً من أن يكون أداة لتحقيق العدالة الشاملة، التي تنصفهم-ن جميعًا دون استثناء أو تمييز.
علاوة على ذلك، فإن القانون الدولي لحقوق الإنسان، والاتفاقيات الدولية المشمولة بمنطوق المادة 12 (2) من الإعلان الدستوري المشار إليه، تنص على وجوب معالجة شاملة لجميع الانتهاكات التي طالت حقوق الإنسان من أجل إنصاف الضحايا، وكشف الحقيقة، وتحقيق المساءلة وجبر الضرر، وضمان عدم تكرار الانتهاكات.

ثالثاً – المطالب الأساسية:

1. إلحاق المرسوم رقم 20 بقانون خاص بالعدالة الانتقالية، تُصدره السلطة التشريعية بعد تشكيلها، بحيث ينص على صلاحيات الهيئة ويُحدّد ولايتها وشروط تعيين أعضائها، على نحو يضمن استقلاليتها ومهنيتها، بناء على أسس تشاورية جدية وحقيقية، يشارك فيها الضحايا والمجتمع المدني وخبراء وخبيرات حقوق الإنسان، للوصول إلى الصياغة المثلى للقانون.

2. بموجب قانون العدالة الانتقالية هذا، تشمل اختصاصات الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية جميع الانتهاكات التي وقعت في سورية بعهدي الأسدين، وإلى حين انتهاء الفترة الانتقالية، لضمان الوقف الفوري للانتهاكات وترسيخ سيادة القانون، وضمان العدالة وعدم الإفلات من العقاب لجميع الأطراف.

3. اعتماد نهج شامل وغير تمييزي للعدالة الانتقالية. يتضمن كشف الحقيقة، المساءلة والمحاسبة، جبر الضرر، وضمانات عدم التكرار، بما في ذلك دعم لجان التحقيق المحلية، مثل اللجنة الوطنية للتحقيق وتقصي الحقائق في أحداث الساحل السوري المشكلة بموجب القرار الرئاسي رقم (3)، واعتبار عملها جزءًا لا يتجزأ من هذا النهج.

4. الحرص على العمل بمضامين المرسوم رقم 20 ليكون منسجماً مع الإعلان الدستوري، والاتفاقيات الدولية المصادق عليها من قبل الجمهورية العربية السورية، والقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، والمعايير التوجيهية للأمم المتحدة حول العدالة الانتقالية.

5. اعتماد نهج مركزية الضحايا وضمان إشراك هيكلي للناجين-ات، وأسرهم/ن، وذوي المفقودين/ات والمختفين/ات قسراً بنسبة مؤثرة في صناعة القرار، وفي تصميم وتنفيذ ومراقبة عمل الهيئة؛ واعتماد معايير للإنجاز وقياس الرضى مبنية على هذا النهج.

6. اعتماد نهج تشاركي وتشاوري مع منظمات المجتمع المدني السوري، والإقرار بدورها الأساسي في تخطيط وتنفيذ ومراقبة مسار العدالة الانتقالية.

7. الشفافية الكاملة في عمل الهيئة، من خلال الإعلان عن النظام الداخلي، وخطط العمل، وآليات اتخاذ القرار، وتقديم تقارير وإحاطات دورية للرأي العام تظهر نتائج العمل والتقدم، بما يتوافق مع المعايير الدولية الموصى بها.

8. التعاون الوثيق مع الآليات الدولية والأممية ذات الصلة، لضمان التكامل، والاستفادة من خبرتها المتراكمة ومواردها لتحقيق تقدم في مسار العدالة والانتصاف.
ختاماً، نؤكد أن هذه اللحظة تمثل فرصة نادرة لإعادة بناء الثقة في الدولة، وفي فكرة العدالة نفسها. إن السلام الأهلي لا يُبنى على تمييز بين الضحايا، ولا على محاسبة انتقائية، بل على قاعدة صلبة من الحقيقة، والكرامة، والاعتراف، والإنصاف. ونُكرر دعوتنا لإعادة النظر في نص المرسوم خلال المهلة المحددة لوضع النظام الداخلي، بما يضمن أن تكون الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية منطلقاً لمسار وطني صادق وشامل نحو سوريا حرة وعادلة.
انتهى

الموقعون-ات:
1. ميثاق الحقيقة والعدالة:
مسار
رابطة تآزر للضحايا
مبادرة تعافي
رابطة عائلات قيصر
عائلات من أجل الحرية
عائلات الحقيقة والعدالة
2. مجموعة السلم الأهلي
3. حقوقيات
4. سوريون من أجل الحقيقة والعدالة
5. منطمة ريليزمي
6. العدالة من أجل الحياة
7. النساء الآن للتنمية
8. مبادرة بدايتنا- سوريا للجميع
9. رابطة عائلات المفقودين على طريق اللجوء AFOMAS
10. جمعية التنمية المستدامة
11. جمعية ليلون للضحايا
12. حملة فلسطينيي سوريا للكشف عن مصير المعتقلين والمختفين قسرياً
13. البرنامج السوري للتطوير القانوني
14. رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا –
15. دولتي – Dawlati

الالتزامات الواقعة على عاتق الدول بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان

ابريل 30, 2025    |   

الالتزامات الواقعة على عاتق الدول بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان تشمل ثلاثة أنواع مختلفة من الالتزامات: الالتزام بالاحترام، والالتزام بالحماية، والالتزام بإنفاذ كل حق من حقوق الإنسان.

الالتزام بالحماية له أهمية خاصة فيما يتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان التي تُرتكب من قبل جماعات غير مرتبطة رسميًا بالدولة، إذ يفرض على الدولة حماية حقوق الإنسان للأفراد ضمن نطاق ولايتها من أي فعل قد ينتهك تمتعهم بهذه الحقوق، حتى وإن ارتكبه فاعلون من غير الدولة أو جهات خاصة لا ترتبط بها.

الالتزام بالحماية بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان
يتطلب الالتزام بالحماية من الدولة اتخاذ تدابير إيجابية وفعّالة لمنع انتهاكات حقوق الإنسان، وحماية الأفراد الخاضعين لولايتها من هذه الانتهاكات. كما يتطلب من الدولة الاستجابة بشكل مناسب لأي انتهاكات محددة لحقوق الإنسان، سواء كانت جارية أو قد حدثت بالفعل.

1. عنصر الوقاية
يتطلب الالتزام بالحماية من الدول اتخاذ “تدابير معقولة” لحماية السكان من الأذى. ورغم صعوبة تحديد المضمون الدقيق لمصطلح “تدابير معقولة”، إلا أن هناك بعض العناصر العامة التي حددها القانون الدولي لحقوق الإنسان فيما يتعلق بمنع انتهاكات حقوق الإنسان.

– التدابير الوقائية العامة:
ينبغي على الدول أن تضمن تهيئة الظروف اللازمة لمنع انتهاكات حقوق الإنسان، وأن تعتمد جميع الوسائل ذات الطابع السياسي، القانوني، والثقافي التي تعزز حماية حقوق الإنسان وتضمن تجريم أي انتهاك. وهذا يعني تجريم السلوكيات الفردية التي ترقى إلى انتهاكات لحقوق الإنسان، وكذلك اعتماد سياسات تهدف إلى الحد من أنواع معينة من العنف. وتُعد هذه التدابير من الالتزامات التي يتعين على الدولة اتخاذها بشكل عام، وليس كرد فعل مباشر على حوادث أو حالات معينة.

ويتطلب ذلك من الدول اتخاذ تدابير مناسبة لمعالجة الظروف العامة في المجتمع التي قد تؤدي إلى تهديدات مباشرة لانتهاكات حقوق الإنسان. وقد تشمل هذه الظروف العامة، على سبيل المثال، وجود خطاب طائفي أو خطاب كراهية، أو ثقافة التحريض، أو الانتشار الواسع للأسلحة في المجتمع.

في إطار التزاماتها الوقائية العامة بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان، يمكن للحكومة السورية أن تنظر في اعتماد مجموعة من التدابير الهيكلية والمعيارية التي تهدف إلى معالجة الأسباب الجذرية للعنف القائم على الهوية وتعزيز ثقافة عدم التمييز والمساءلة. وقد تشمل هذه التدابير ما يلي:

● تجريم الدعوة إلى الكراهية الطائفية أو الدينية
التي تشكل تحريضًا على التمييز أو العداء أو العنف، وفرض العقوبات المناسبة على الأفراد والمجموعات التي تنخرط في نشر مثل هذه الرسائل الضارة.


● الترويج النشط للخطاب المضاد
من خلال التعليم العام، والحملات الإعلامية الوطنية، والبيانات الرسمية التي تدين الخطاب الطائفي وتؤكد التزام الدولة بالوحدة والتسامح والكرامة المتساوية لجميع المكونات المجتمعية.

● رصد خطاب الكراهية والعنف المنظم أو أنماط الانتهاكات
التي قد تتصاعد لتشكل انتهاكًا للحقوق الأساسية، لا سيما الحق في الحياة والحرية والأمن الشخصي.

● إدماج التدريب الإلزامي على حقوق الإنسان
لجميع أفراد أجهزة إنفاذ القانون، والعسكريين، والمسؤولين العموميين، إلى جانب وضع قواعد اشتباك واضحة وملزمة. سيساهم ذلك في ضمان أن يعمل جميع وكلاء الدولة ضمن إطار القانون وتحت إشراف فعّال، ووفقًا للمعايير القانونية الدولية، وألا يمارس أي فرد سلطة تتعارض مع التزامات الدولة القانونية أو خارج نطاق سلطتها الشرعية.

– التدابير الوقائية المحددة:
تلتزم الدول باتخاذ تدابير محددة وقائية لحماية الأفراد الذين قد تكون حياتهم معرضة للخطر نتيجة لأفعال إجرامية من قبل أفراد آخرين. وتُشترط هذه التدابير المحددة بمدى علم الدولة بالخطر الذي ينبغي عليها أن تحمي الأفراد منه، على النحو التالي:

● في الحالات التي يكون فيها الأشخاص في أوضاع هشّة معرضين للخطر “بسبب تهديدات محددة أو أنماط عنف سابقة الوجود”، تكون الدولة ملزمة باتخاذ تدابير وقائية محددة لحماية هؤلاء الأفراد من انتهاكات حقوق الإنسان.

● في الحالات التي تكون فيها الدولة في موقع يمكنها من التأثير المباشر على منع تحقق هذا الخطر، تكون الدولة مطالبة باتخاذ تدابير وقائية محددة لضمان عدم حدوث انتهاكات لحقوق الإنسان.

في كلا السياقين، يُطلب من الدولة استجابة نشطة للتهديدات المتوقعة لانتهاكات حقوق الإنسان، خاصة في الحالات التي تكون فيها استجابة فعالة ومناسبة متاحة ومعقولة.

2. عنصر الاستجابة المناسبة
عندما يتحقق تهديد للحياة، قد تُلزم الدولة بالاستجابة له من خلال عمليات عسكرية أو أمنية محددة. وعند التخطيط لمثل هذه العمليات وتنفيذها – وخاصة تلك التي قد تعرّض المزيد من الأرواح للخطر – تلتزم الدولة بأقصى درجات الحذر في اختيار الوسائل والأساليب التي يستخدمها المسؤولون الرسميون.

لا شك أن للدولة الحق والواجب في ضمان أمنها، إلا أن سلطة الدولة ليست غير محدودة، بل تخضع للقانون والأخلاق. ولهذا السبب، ينبغي أن تتم عملية التخطيط والتنفيذ بشكل عام تحت إشراف السلطات وبطريقة تقلل قدر الإمكان من مخاطر الإضرار بالأرواح.

بعد وقوع انتهاك للحق في الحياة، تتحمل الدولة واجب التحقيق، وإذا اقتضى الأمر، ملاحقة الأفراد المسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان من خلال تحقيقات مستقلة وفعّالة وعادلة. كما يُطلب منها اتخاذ خطوات إضافية لضمان عدم تكرار مثل هذه

الانتهاكات، بما في ذلك اتخاذ جميع التدابير القانونية والمؤسساتية اللازمة لمعالجة الأسباب والعوامل التي أدت إلى وقوع الانتهاكات في المقام الأول.

مسؤولية الدولة عن الفشل في الحماية

عندما تفشل الدولة في التصرف بالجدية الواجبة لحماية الأفراد من أفعال ترتكبها جهات غير حكومية، أو في الاستجابة لها بشكل مناسب، يمكن تحميلها المسؤولية عن انتهاك الحق المعني. في الواقع، فإن أي عمل غير قانوني ينتهك حقوق الإنسان – حتى وإن لم يكن منسوبًا مباشرة إلى الدولة – يمكن أن يؤدي إلى مسؤولية تقع على عاتق الدولة، ليس بسبب الفعل ذاته، بل بسبب الإخفاق في بذل العناية الواجبة لمنع هذا الانتهاك أو الاستجابة له كما هو مطلوب.

ومع ذلك، فإن تحميل الدولة المسؤولية عن الفشل في الحماية يتطلب عادة تقييمًا حول ما إذا كانت الدولة مُلزمة باتخاذ تدابير وقائية محددة في المقام الأول، وإذا كان الجواب نعم، فهل فشلت في اعتمادها بطريقة جدية ومناسبة.

إن من مصلحة الدولة السورية – ومن مصلحة المجتمع السوري ككل – أن تضمن السلطات الحالية التزامها الجاد بواجبها في حماية جميع الأفراد الخاضعين لولايتها من انتهاكات حقوق الإنسان , وإتخاذ كافة التدابير الممكنة للتأكد من جهوزيتها لاحترام وحماية وإنفاذ كل حق من حقوق الإنسان لضمان مستقبل أفضل لسوريا قائم على حقوق الإنسان وسيادة القانون.

لتحميل التقرير

Recommendations on Syria to the EU-Commission and Member States

عفوا، هذه المدخلة موجودة فقط في Eng.

بعد سقوط الأسد: مجموعة من الفاعلين والفاعلات في ملف العدالة في سوريا يعقدون أول حوار في سوريا حول العدالة بحضور من حكومة تصريف الأعمال

فبراير 9, 2025   |     |   هذا المنشور متوفر أيضاً باللغة: الإنجليزية

-نتج عن الحوار مجموعة من التوصيات الموجهة إلى المجتمع المدني السوري والحكومة الانتقالية.
-إجماع المشاركين-ات على ضرورة تضمين توصيات الحوار في أي حوارات وطنية حول مستقبل العدالة في سوريا.

عقدت مجموعة من منظمات المجتمع المدني السوري وروابط ناجيات وناجين وعائلات وضحايا مختلف الانتهاكات في سوريا حواراً سورياً يعد الأول من نوعه حول العدالة والحقيقة والإنصاف بحضور معاونة وزير العدل للشؤون والدراسات القانونية السيدة القاضية ختام حداد. استعرض الحوار الذي امتد على يومي٢٤ و٢٥ كانون الثاني/يناير في مدينة دمشق، موجزاً لأهم ما تم تحقيقه حتى اليوم في إطار قضايا العدالة والحقيقة والإنصاف بقيادة عدد من المنظمات والروابط المشاركة.

كما حدد المشاركون والمشاركات بعض الفرص والتحديات التي تحتاج إلى مزيد من العمل والتي يمكن البناء عليها في خطوات عملية بما يخدم ملف العدالة لجميع القضايا في سوريا بعد سقوط نظام الطاغية من جهة قانونية وقضائية ومن جهة مجتمعية، وأجمعوا على أهمية العدالة والمحاسبة في تحقيق السلم الاهلي وتعافي المجتمعات في سوريا.

وأكدت معاونة وزير العدل في حكومة تصريف الأعمال القاضية ختام حداد، من خلال مشاركتها، على ضرورة رفع توصيات ومخرجات الحوار إلى وزارة العدل للاستفادة من خبرات المنظمات المشاركة والتي تحتاجها ملفات هامة مثل ملف العدالة الانتقالية والمغيبين-ات قسراً في سوريا.

نتج عن الحوار ضمن مجموعات العمل توصيات واضحة ومحددة حول أهداف ملحة مثل الاعتراف بما تعرض له ضحايا جرائم الحرب في سوريا وحماية الوثائق والمقابر الجماعية وتحقيق الأمن ضمن إطار القانون، بالإضافة إلى التأكيد على أن مسار المحاسبة القانونية والعدالة الانتقالية يجب أن يكون مستقلاً ومعلناً وشاملاً، وأخرى متوسطة المدى تركز على بناء دولة مؤسسات تلتزم بمفاهيم المواطنة ومبادئ حقوق الإنسان، تعمل على كشف مصير المختفين-ات قسراً وإنهاء التهجير القسري والمخيمات وتعزيز نهج عدالة شاملة يضمن إشراك الضحايا ورؤيتهم المتنوعة والاستفادة من خبرات المجتمع المدني.

يقول محمد البكري من مجموعة عمل الناجين والناجيات من الهجمات الكيماوية في سوريا:
“عمل نظام الأسد وحلفاؤه بكل الوسائل على إنكار وإسكات الناجين-ات والشهود على جرائمه، بما فيها باستخدام الأسلحة الكيماوية. اليوم ندرك جميعاً أهمية توثيق هذه الجرائم ومواصلة الضغط لتحقيق العدالة ومحاسبة المسؤولين عنها، وضمان عدم تكرار هذه الفظائع مستقبلاً.”

تقول حسنا عيسى من فريق ورشة – حملة “جنسيّتي من حقهنّ”:
“نحن في فريق ورشة ومبادرة انعدام الجنسية، التي نعمل عليها منذ خمس سنوات، كان هذا الاجتماع فرصة مهمة لنا لطرح قضية الأطفال عديمي الجنسية نتيجة الحرب في سوريا، وهي قضية شائكة ومغيبة تماماً رغم أنها من أبرز حقوق الإنسان المعترف بها دولياً والمتحفظ عليها في سوريا. نطالب بحق المرأة في منح الجنسية لأولادها وزوجها، إذ يسهم غياب هذا الحق في تفاقم مشكلة انعدام الجنسية ويجعل المرأة السورية مواطنة منقوصة. نتطلع إلى تغيير هذه القوانين في سوريا المستقبل.”

تقول زيلان علي من جمعية ليلون للضحايا:
“نعمل على توثيق الانتهاكات في عفرين الواقعة تحت سيطرة فصائل الجيش الوطني، ودعم ضحايا التهجير والإخفاء القسري. كان اجتماعنا مع منظمات سورية فرصة مهمة لتبادل الخبرات وتعزيز الجهود لتحقيق العدالة والإنصاف للجميع.”

تقول وفا مصطفى من حملة من أجل سوريا:
“أحد التحديات التي واجهتنا خلال الحوار كان اختلاف أولوياتنا وطرق عملنا، لكن في الوقت نفسه كانت هناك فرصة كبيرة للوصول إلى رؤية مشتركة منصفة تعكس حجم الكارثة السورية والجهود المبذولة من قبل الجميع. اليوم، سوريا ليست حرة بالكامل طالما أن هناك قصفاً وتوسعاً إسرائيلياً في جنوبها، وقصفاً تركياً ومعارك مستمرة في شمال شرقها، مما يشكل تحدياً إضافياً في تجنب تركيز الجهود على مناطق معينة وإهمال أخرى، لأن استقرار سوريا لا يمكن أن يتحقق إلا إذا كان شاملاً لكل مناطقها ومكوناتها.”
انتهى

ملاحظات:
– تم عقد الحوار في فندق الشام في مدينة دمشق بحضور أكثر من خمسين ممثلة وممثل عن الجهات المشاركة.
-الجهات المنظمة والمشاركة في الحوار هي:

1.الاتحاد العام للمعتقلين والمعتقلات
2.اتحاد منظمات الإغاثة والرعاية الطبية (أوسوم)
3.بدائل
4.البرنامج السوري للتطوير القانوني
5.تجمع الناجيات
6.تستقل
7.جمعية ليلون للضحايا
8.جوى
9. حرّرني
10.حملة من أجل سوريا
11.الدفاع المدني السوري
12.دولتي
13.رابطة “تآزر” للضحايا
14.رابطة دار لضحايا التهجير القسري
15.رابطة عائلات قيصر
16.رابطة معتقلي سجن عدرا
17.رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا
18.سما
19.سوريون من أجل الحقيقة والعدالة
20.شباب اوكسجين
21.الشبكة السورية لحقوق الإنسان
22.شبكة الصحفيات السوريات
23.شمس
24.صوت المعتقلين- أنقذوا البقية | مجموعة التوثيق في مدينة داريا
25.عائلات من أجل الحقيقة والعدالة
26.عائلات من أجل الحرية
27.العدالة من أجل الحياة
28.العدالة والتنمية المستدامة
29.فريق خطوة للعمل التطوعي
30.فريق ورشة
31.لا تخنقوا الحقيقة
32.مبادرة بدايتنا
33.المجلس السوري البريطاني
34.مجموعة السلم الأهلي في حمص
35.مجموعة عمل الناجين والناجيات من الهجمات الكيميائية في سوريا
36.محامون وأطباء من أجل حقوق الإنسان
37.مدنيّة
38.المركز السوري للإعلام وحرية التعبير
39.المركز السوري للدراسات والابحاث القانونية
40.المركز السوري للعدالة والمساءلة
41.مركز توثيق الإنتهاكات الكيميائية والأبحاث
42.مسارات العدالة
43.مشروع دعم ضحايا الاحتجاز التعسفي والإخفاء القسري في سوريا
44.منظمة عدالتي
45.النساء الآن للتنمية
46.نوفوتوزون
47.وحدة المعلومات الطبية
48.اليوم التالي

1.General Union of Internees and Detainees
2.Union of Medical Care and Relief Organizations (UOSSM)
3.Badael
4.Syrian Legal Development Programme (SLDP)
5.The Female Survivors Union
6.Tastakel
7.Lêlûn Association for Victims
8.Jawa Voluntary Team
9.Release Me
10.The Syria Campaign
11.The White Helmets
12.Dawlaty
13.Synergy Association for Victims
14.DAR Association for victims of forced displacement
15.Caesar Families Association
16.Adra Detainees Association
17.Association of Detainees and the Missing in Sednaya Prison (ADMSP)
18.Sama
19.Syrians for Truth and Justice
20.Oxygen Shabab
21.Syrian Network for Human Rights
22.Syrian Female Journalists Network
23.Shams Forum
24.Detainees’ Voice – Save the Rest | Documentation Group in Darayya City
25.Families for Truth and Justice
26.Families For Freedom
27.Justice For Life
28.Justice and Sustainable Development
29.Step for Volunteer Work Team
30.Warsheh Team
31.Do Not Suffocate the Truth
32.Bidayetna Initiative
33.Syrian British Consortium
34.Homs Civil Peace Group (Seen)
35.Task Force of Survivors of Chemical Attacks in Syria
36.Lawyers and Doctors for Human Rights
37.Madaniya
38.Syrian Center for Media and Freedom Expression (SCM)
39.Syrian Center for Legal Studies and Researches
40.Syrian Justice and Accountability Center
41.Chemical Violations Documentation Center and Research
42.Justice Paths (Masarat)
43.Arbitrary Detention and Enforced Disappearance Victims Support Project
44.Adalaty Center
45.Women Now for Development
46.Nophotozone
47.Health Information System Unit
48.The Day After

Statement on Refugee Return, On Suspending Asylum Applications of Syrians

عفوا، هذه المدخلة موجودة فقط في Eng.

سقوط نظام الأسد

ديسمبر 13,  2024        |   هذا المنشور متوفر أيضاً باللغة: الإنجليزية

في الثامن من ديسمبر 2024، استيقظ السوريون على وطن خالٍ من نير نظام الأسد الإجرامي. بعد عقود من الطغيان الذي انتهك حق كل سوري في الحياة بحرية وكرامة، انتهى أخيرًا حكم عائلة الأسد الذي استمر 53 عامًا. تهانينا للجميع! اليوم هو يوم انتصار عظيم يجلب لنا الكثير من الأمل.

الدكتاتور السابق بشار الأسد مسؤول عن مقتل أكثر من نصف مليون سوري منذ اندلاع الحرب. يتميز نظامه بالفساد الواسع النطاق والوحشية البالغة، حيث قرر الرد على الاحتجاجات السلمية في عامي 2011 و2012 بالرصاص، ثم بالقنابل. وخلال الصراع، استخدم النظام السوري، إلى جانب حلفائه روسيا وإيران، مجموعة من الوسائل لقتل السوريين و حصارهم وتجويعهم ومعاقبتهم لجرأتهم على مواجهة نظامه، بما في ذلك الأسلحة الكيميائية والبراميل المتفجرة. وقد وثقت الاستهدافات المتعمدة للنظام للمدنيين والبنية التحتية المدنية، مثل المستشفيات والأسواق والمناطق السكنية، بشكل جيد. كما أُجبر أكثر من 6 ملايين سوري على اللجوء، وأكثر من 7 ملايين على النزوح الداخلي.

ومن الممارسات المميزة لهذا النظام البوليسي سياسته الممنهجة في الإخفاء القسري والاعتقال التعسفي والتعذيب على نطاق صناعي في منشآته الاحتجازية الشهيرة. ووفقًا للشبكة السورية لحقوق الإنسان، تعرض أكثر من 100,000 سوري للإخفاء القسري والاعتقال التعسفي على يد النظام، وتوفي العديد منهم في هذه المنشآت نتيجة التعذيب أو الإعدام. لقد فرحنا بالإفراج عن عشرات الآلاف من السجناء السياسيين المخفيين قسرًا، بمن فيهم النساء والأطفال، من مرافق الاحتجاز في المناطق التي كانت تخضع لسيطرة النظام المخلوع. وفي الوقت نفسه، نقف متضامنين مع عائلات المفقودين، ونتشارك في ألمهم ومعاناتهم نتيجة تقاعس الهيئات الدولية في الاستجابة السريعة لهذه الأزمة الإنسانية. إن الاستجابات الفورية والفعالة أمر ضروري، حيث أن أي تأخير إضافي قد يتسبب في أضرار لا يمكن إصلاحها لحق العائلات في معرفة الحقيقة ويزيد من حدة معاناتهم المستمرة بسبب الجهل بمصير أحبائهم أو أماكن وجودهم أو ما حدث لهم.

لم تبدأ القمعية والعنف مع بشار الأسد، بل مع والده، حافظ الأسد. ففي عام 1982، قتل حافظ الأسد أكثر من 40,000 سوري في مدينة حماة. كما أُعدم مئات السجناء السياسيين في زنازينهم على يد قوات موالية لشقيق حافظ، رفعت الأسد. هذه المجازر التي شكلت إرث النظام أثرت على الذاكرة السياسية والهوية والتاريخ السوري.

علاوة على ذلك، ترسخت تحت النظام السوري العلاقة بين رأسمالية المحاسيب واقتصاد الحرب، مما عزز عدم المساواة الاقتصادية ودعم هياكل السلطة التابعة للنظام. ازدهرت رأسمالية المحاسيب مع منح النظام للموالين والمقربين فرصًا تجارية مربحة و احتكارات ومعاملة تفضيلية، مما أدى إلى خلق طبقة نخبوية مرتبطة بشدة بالدولة. وقد فاقم اقتصاد الحرب هذه الديناميكيات، حيث استفادت شبكات من رجال الأعمال والميليشيات المرتبطة بالنظام من التهريب أثناء الحرب، وعقود إعادة الإعمار، والسيطرة على الموارد الحيوية مثل الوقود والإمدادات الغذائية. استغل هؤلاء الفاعلون الصراع لتكديس الثروات على حساب السوريين العاديين الذين واجهوا فقرًا متزايدًا وإنهيار الخدمات الأساسية. تم تصميم هذه العلاقة التبادلية بين النظام والمقربين منه للحفاظ على السيطرة الاستبدادية بدلاً من تلبية احتياجات الشعب السوري.

عملنا لتعزيز حقوق الإنسان وسيادة القانون في البلاد قد بدأ للتو. مع سعي الأمة نحو الانتقال إلى الديمقراطية، وبناء المؤسسات، وخلق مجتمع شامل، سنواصل دعم مجموعات المجتمع المدني، و الضحايا، والناجين، وروابط العائلات، والمنظمات الإنسانية، والشركات، وغيرها من الجهات لضمان احترام حقوق الإنسان لجميع الفئات وحماية البيئة. سنعمل أيضًا على ضمان عدم مكافأة مجرمي الحرب والمستغلين بعقود للتوريد أو إعادة الإعمار. سنواصل دعم الضحايا والناجين وروابط العائلات لممارسة حقوقهم والوصول إليها وتحقيقها بالكامل، بما في ذلك حقهم في المشاركة في عمليات العدالة والحقيقة المستقبلية، بشأن الفظائع الموثقة التي ارتكبها أفراد نظام الأسد وحلفاؤه، بمن فيهم الجهات التجارية المحلية والأجنبية، وكذلك الأطراف الأخرى التي انتهكت حقوق الشعب السوري.

نحن ندرك أن هناك العديد من التحديات التي تنتظرنا، لكننا ملتزمون ومستعدون لمواجهتها. نأمل أن يأتي اليوم الذي تتحرر فيه جميع الشعوب من الأنظمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية الجائرة التي تقوم على الإخضاع والتمييز على أساس الجنس أو العرق أو الدين أو أي أسباب أخرى.

بيان مشترك لمنظمات المجتمع المدني السورية وجمعيات وروابط الضحايا والناجين للترحيب بحكم محكمة الجنايات في باريس بالسجن المؤبد على ثلاثة مسؤوليين أمنيين سوريين رفيعي المستوى في قضية الدباغ

يونيو 5, 2024    |   مشاهدات                      |   تحميل التقرير PDF    |   هذا المنشور متوفر أيضاً باللغة: الإنجليزية

باريس 06 حزيران/يونيو 2024 – أصدرت محكمة الجنايات في باريس بتاريخ 24 أيار/مايو 2024، حكمها بالسجن المؤبد على ثلاثة مسؤولين أمنيين سوريين رفيعي المستوى مقربين من بشار الأسد، وهم اللواء علي مملوك واللواء جميل الحسن والعميد عبد السلام محمود، بتهم التواطؤ بارتكاب جرائم ضد الانسانية وجرائم حرب بحق السوريين الفرنسيين مازن الدباغ وولده باتريك.

وقد صدر هذا الحكم بعد أربعة أيام من جلسات الاستماع لشهادات الشهود من خبراء وخبيرات وناجين وناجيات من معتقل فرع التحقيق التابع لإدارة المخابرات الجوية في مطار المزة. ومناقشة الأدلة التي تم تقديمها في الملف على مدى ثماني سنوات، والتي تثبت مسؤولية هؤلاء المسؤولين عن ارتكاب هذه الجرائم. حيث كان مازن وباتريك معتقلَين ثم مختفيَين قسرياً منذ عام 2013، قبل أن يتم إصدار شهادات وفاة لهما من قبل الحكومة السورية عام 2018، بعد مقتلهما نتيجة التعذيب وسوء المعاملة.

وتعتبر هذه المحاكمة الأولى من نوعها في فرنسا من حيث المحاسبة على الجرائم المرتكبة من قبل مسؤولين على أعلى المستويات في السلطات السورية.

نحن منظمات المجتمع المدني السوري وروابط الضحايا والناجين والناجيات الموقعين/ات أدناه، نرحب بهذا الحكم الذي يمثل خطوة مهمة على طريق العدالة وتأكيداً على استمرار جهود محاربة الإفلات من العقاب، حتى محاسبة جميع مرتكبي الانتهاكات في سوريا، وإنصاف الضحايا وتعويضهم بالشكل اللائق.

كما نتوجه بجزيل الشكر للشجاعة والإصرار التي تحلى بهما الشهود وعائلة الدباغ في هذه القضية، للوصول لهذا الحكم. ونتطلع إلى اليوم الذي يستطيع فيه السوريون والسوريات محاكمة الجناة أمام المحاكم السورية، لأننا نؤمن أن العدالة هي طريق السلام والاستقرار الذي نطمح له.

المنظمات الموقعة:
1. اتحاد المكاتب الثورية
2. اتحاد طلبة سوريا الأحرار
3. الأرشيف السوري
4. البرنامج السوري للتطوير القانوني
5. الجمعية الآشورية للإعانة والتنمية
6. الخوذ البيضاء
7. الشبكة السورية لحقوق الإنسان (SNHR)
8. العدالة من أجل السلام
9. المجلس السوري البريطاني
10. المركز السوري لبحوث السياسات
11. المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية
12. المنتدى السوري
13. المنظمة العالمية للنهوض بالمجتمع المدني (GLOCA)
14. النساء اللآن للتنمية
15. بيتنا لدعم المجتمع المدني
16. بيل – الأمواج المدنية
17. تجرأنا على الحلم “من أجل سما”
18. تحالف الأديان
19. جالية السوريين رومانيا
20. رابطة “تآزر” للضحايا
21. رابطة المحامين السوريين الأحرار.
22. رابطة عائلات قيصر
23. سوريون من أجل الحقيقة والعدالة
24. شبكة الشرق نيوز الإعلامية
25. عائلات للحقيقة والعدالة
26. فريق ربيع سوريا
27. فريق صبح الثقافي
28. مؤسسة فراترنيتي لحقوق الإنسان FFHR
29. مجموعة عائلات الأشخاص المفقودين
30. محامون وأطباء من أجل حقوق الإنسان
31. مرصد الشبكات السياسية والاقتصادية
32. مركز امل للمناصرة والتعافي
33. مركز توثيق الإنتهاكات الكيميائية والأبحاث(CVDCR)
34. مركز وصول لحقوق الإنسان
35. مساواة
36. مع العدالة
37. مكتب التنمية المحلية ودعم المشاريع الصغيرة
38. مكتب شؤون الجرحى والمفقودين
39. منظمة زووم ان
40. منظمة التنمية المحلية LDO
41. منظمة الرعاية الخيرية للأعمال الإنسانية
42. منظمة بدائل
43. منظمة ديرنا
44. منظمة سداد الإنسانية
45. منظمة معا لأجل الجرنية
46. منظمة مهاباد لحقوق الإنسان MOHR
47. منظمة ميزان للدراسات القانونية وحقوق الإنسان
48. وحدة المجالس المحلية

مذكرة التوقيف الفرنسية: فرصة لإعادة النظر في الحصانة الشخصية لرؤساء الدول

ديسمبر 15, 2023    |   مشاهدات [jp_post_view]   | الكاتب: مهند شرباتي مسؤول قانوني – وحدة الدعم بالقانون الدولي

في ١٥ تشرين الثاني/نوفمبر ٢٠٢٣ أصدر قضاة تحقيق جنائيون في فرنسا مذكرة توقيف بحق الرئيس السوري بشار الأسد بتهمة التواطؤ في جرائم ضد الإنسانية متعلقة بالهجمات الكيمياوية في مدينة دوما والغوطة الشرقية في آب/أغسطس ٢٠١٣، والتي أسفرت عن مقتل أكثر ألف شخص. جاءت المذكرة نتيجة شكوى تقدم بها المركز السوري للإعلام وحرية التعبير و مجموعة من الضحايا عام ٢٠٢١ وتم لاحقاً الانضمام إليها ودعمها من قبل الأرشيف السوري ورابطة ضحايا الأسلحة الكيماوية ومبادرة عدالة المجتمع المفتوح والمدافعون عن الحقوق المدنية وقد شملت أيضاً ماهر الأسد قائد ما يسمى الفرقة الرابعة في الجيش العربي السوري، بالإضافة إلى ضابطين أخرين هما غسان عباس والعميد بسام الحسن.

إصدار هذه المذكرة يعتبر خطوة بارزة في طريق السعي للعدالة والمحاسبة في سوريا فرغم جسامة هذه الجريمة والعدد الكبير من الضحايا والإصابات الجسدية والنفسية الذي نتجت عنها لم يتم محاسبة أي مسؤول عن استخدام السلاح الكيماوي. إضافة إلى أنها أول مرة تصدر فيها مذكرة توقيف بحق الرئيس السوري وأول مرة تصدر فيها مذكرة توقيف من قضاء وطني بحق رئيس دولة مازال في منصبه. ومما يزيد من أهمية هذه الخطوة هو أن المذكرة صدرت بعد تحقيق استغرق فترة طويلة مما يعني أن هناك أدلة قوية وموثوقة حول مسؤولية بشار الأسد، وبالتالي بغض النظر عن احتمال وجود تحديات إجرائية قانونية قد تواجه هذه القضية فإنه سيكون من الصعب نفي هذه المسؤولية عن بشار الأسد في المستقبل.

في ظل وجود تحديات إجرائية في مثل هذا النوع من القضايا، برزت تساؤلات عدة حول إمكانية تنفيذ المذكرة وتوقيف بشار الأسد وتسليمه إلى القضاء في فرنسا. على الرغم من وجود أدلة قوية تؤكد تورطه بشكل مباشر في الجرائم التي ارتكبت ومازالت ترتكب في سوريا، قد تتحجج بعض الدول بأن بشار الأسد مازال رئيس دولة من الناحية القانونية وبالتالي فإن تنفيذ المذكرة قد يتجاوز اتفاقيات تسليم المجرمين، ويرتبط بشكل مباشر بالحصانة التي يتمتع بها رؤساء الدول بموجب القانون الدولي أمام المحاكم الوطنية الأجنبية. يناقش هذا المقال ما إذا كان القانون الدولي يفرض التزاماً على الدول بتنفيذ مذكرة التوقيف الفرنسية بحق بشار الأسد في حال تواجده على أراضيها، وفيما إذا كانت الحصانة التي يتمتع بها رؤساء الدول بموجب القانون الدولي ستشكل عائقاً أمام توقيف بشار الأسد على الرغم من أن الاتهام يتعلق بانتهاكات خطيرة للقانون الدولي.

نوعان للحصانة بموجب القانون الدولي

وفقاً للقانون الدولي هناك نوعان من الحصانة التي يتمتع بها الأفراد (١) الحصانة الشخصية (Personal Immunity or immunity ratione personae) و (٢) الحصانة الوظيفية (Functional Immunity or immunity ratione materiae). الحصانة الشخصية تعني الحماية من المحاكمة أمام المحاكم الوطنية الأجنبية التي يتمتع بها بعض مسؤولي الدولة بسبب صفتهم ووضعهم الرسمي في الدولة. ترتبط هذه الحصانة بعدد من المناصب العليا في الدول وعلى وجه التحديد رؤساء الدول ورؤساء الحكومات ووزراء الخارجية. وهي حصانة مطلقة، بمعنى أنها تشمل جميع الأفعال المرتكبة سواء بصفة رسمية أو خاصة قبل وأثناء تولي المنصب، وتتوقف حماية الحصانة الشخصية بمجرد مغادرة الفرد لمنصبه حتى بما يتعلق بأفعال قام بها عندما كان في المنصب. أما الحصانة الوظيفية تعني الحصانة من اختصاص المحاكم الوطنية الأجنبية التي يتمتع بها الأفراد بسبب الطابع الرسمي لبعض الأفعال التي يقومون بها بصفتهم الرسمية نيابة عن الدولة. على عكس الحصانة الشخصية، ترتكز الحصانة الوظيفية على الفعل أو السلوك نفسه وليس على منصب الشخص الذي قام بالفعل. وبالتالي فهي لا تقتصر على عدد من المناصب العليا في الدولة وإنما تشمل أي موظف يتصرف نيابة عن الدولة مهما كان منصبه. وتشمل هذه الحصانة الأعمال الحكومية والأعمال التجارية للدولة، ما لم تتم بصفة شخصية. ولا تكون الأفعال رسمية بطبيعتها إلا عندما يكون الفعل منسوباً حصراً إلى الدولة.

الحصانة الوظيفية لرؤساء الدول تصبح ذات أهمية فقط عندما يترك رئيس الدولة منصبه، لأنه أثناء وجوده في المنصب يتمتع بحصانة شخصية. لذلك قد لا يكون هذا النوع من الحصانة ذا صلة عند النقاش حول المذكرة الصادرة ضد بشار الأسد كونه مازال في منصبه ومن الناحية القانونية يتمتع بحصانة بشخصية. إلا أنه من المهم الإشارة إلى أنه من المقبول على نطاق واسع أن الحصانة الوظيفية أمام المحاكم الوطنية لا تشمل الجرائم الدولية الخطيرة كجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية كونها لا تعتبر تصرفات رسمية نيابة عن الدولة. اجتهادات المحاكم تدعم وجود قاعدة عرفية دولية تفيد بأن الحصانة الوظيفية لمسؤولي الدول السابقين لا تنطبق أمام المحاكم الوطنية الأجنبية في حالات الجرائم الدولية الخطيرة (على سبيل المثال القضية ضد الضابط النازي إيخمان، والقضية ضد الرئيس السابق لتشيلي بينوتشيه أمام القضاء البريطاني). أيضاً أكدت على ذلك لجنة القانون الدولي في مسودة المواد المتعلقة بحصانة مسؤولي الدول من الولاية القضائية الجنائية الأجنبية التي اعتمدتها في حزيران/يونيو ٢٠٢٢. حيث نصت المادة ٧ أن الحصانة الوظيفة أمام المحاكم الأجنبية الوطنية لا تشمل مجموعة من الجرائم الدولية هي جريمة الإبادة الجماعية، الجرائم ضد الإنسانية، جرائم الحرب، جريمة الفصل العنصري، جريمة التعذيب وجريمة الاختفاء القسري.

لا حصانة شخصية أمام المحاكم الدولية

لا يمكن الاحتجاج بالحصانة الشخصية أمام المحاكم الدولية. ينص نظام روما الأساسي لمحكمة الجنايات الدولية على ذلك بشكل صريح حيث تنص المادة 27 (2) على أنه “لا تحول الحصانات أو القواعد الإجرائية الخاصة التي قد ترتبط بالصفة الرسمية للشخص سواء كانت في إطار القانون الوطني أو الدولي دون ممارسة المحكمة اختصاصها على هذا الشخص”. وقد تم التأكيد من قبل محكمة العدل الدولية في قضية مذكرة التوقيف/الكونغو ضد بلجيكا (Arrest Warrant Case) أن الحصانات بموجب القانون الدولي لا تمثل عائقاً لممارسة الاختصاص الجنائي أمام المحاكم الدولية، وأن أحكام الحصانة الشخصية تشكل عرفاً دولياً. على الرغم من أن محكمة العدل لم تحدد ما هي المحاكم الدولية وعلى أي أساس لا تنطبق الحصانات الشخصية أمامها (السؤال كان خارج نطاق القضية ولم يطلب من المحكمة الإجابة عنه)، إلى أنها ذكرت المحكمة الخاصة بيوغسلافيا السابقة والمحكمة الخاصة برواندا ومحكمة الجنايات الدولية كأمثلة على المحاكم الدولية التي تتمتع بسلطة محاكمة رؤساء الدول وغيرهم من مسؤولي الدولة. في نفس السياق خلصت محكمة الجنايات الدولية أيضاً أن هذه القاعدة تعتبر من القانون الدولي العرفي (قضية ملاوي المتعلقة بتسليم الرئيس السوداني السابق عمر البشير).

الحصانة الشخصية أمام المحاكم الأجنبية الوطنية

على عكس المحاكم الدولية، هناك حجج قانونية على أن رؤساء الدول ورؤساء الحكومات ووزراء الخارجية الذين مازالوا في مناصبهم يتمتعون بحصانة شخصية مطلقة من الملاحقة الجنائية أمام المحاكم الوطنية الأجنبية حتى في حال ارتكابهم انتهاكات جسيمة ضد القانون الجنائي الدولي مثل جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الإبادة. تم التأكيد على هذه الحصانة في العديد من الأحكام القضائية.

تعد قضية مذكرة التوقيف أمام محكمة العدل الدولية (الكونغو ضد بلجيكا) من أبرز القضايا التي يتم الإشارة لها عند الدفاع عن الحصانة الشخصية التي يتمتع بها رؤساء الدول أمام المحاكم الوطنية الأجنبية. في عام ١٩٩٩ عدلت بلجيكا تشريعها الوطني المتعلق بجرائم الحرب ليتوافق مع نظام روما الأساسي لمحكمة الجنايات الدولية الذي لا يعتبر المنصب الرسمي كسبب للحصانة. بالتالي لم تعد الحصانة المرتبطة بالصفة الرسمية للشخص تمنع محاكمة هذا الشخص أمام القضاء البلجيكي. أصدر قاضي تحقيق بلجيكي، بموجب هذا القانون، مذكرة اعتقال دولية بحق وزير خارجية جمهورية الكونغو بتهم تتعلق بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. تقدمت جمهورية الكونغو بطلب إلى محكمة العدل الدولية للاعتراض على أمر التوقيف الصادر عن القضاء البلجيكي بحجة أنه قد انتهك الحصانة الشخصية لوزير خارجيتها، بالإضافة إلى انتهاكه للمبدأ القانوني (par in parem non habet imperium) الذي يقضي بأنه ليس لدولة ذات سيادة أن تمارس ولايتها القضائية على دولة أخرى ذات سيادة. شكلت هذه القضية فرصة لمحكمة العدل لتعطي رأيها في الحصانة التي يتمتع بها مسؤولو الدول الذين مازالوا في مناصبهم بموجب القانون الدولي العرفي. في سبيل ذلك قامت المحكمة بتحليل الممارسات الدولية المتعلقة بالحصانة بما في ذلك أحكام المحاكم والتشريعات الوطنية لبعض الدول. خلصت المحكمة من حيث النتيجة إلى أن وزير خارجية الكونغو الذي كان في منصبه آنذاك يتمتع بحصانة حتى من التهم المتعلقة بجرائم دولية خطيرة. حيث لم تجد المحكمة في ممارسات الدول أن هناك استثناء في القانون الدولي العرفي من القاعدة التي تمنح الحصانة من الولاية القضائية الجنائية الأجنبية لوزراء الخارجية الذين ما زلوا في مناصبهم حين يشتبه في ارتكابهم جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية. وجدت محكمة العدل الدولية أيضأً أن مجرد إصدار القضاء البلجيكي لمذكرة توقيف بحق وزير الخارجية لجمهورية الكونغو الديمقراطية الذي مازال في منصبه ينتهك القواعد العرفية الدولية بشأن الحصانات الشخصية التي يتمتع بها الوزير، وأن بلجيكا انتهكت القانون الدولي المتعلق بالحصانات الشخصية بمجرد تعميم مذكرة التوقيف على المستوى الدولي بغض النظر عما إذا كانت قد اتخذت أي خطوات أخرى لمطالبة الدول بتنفيذها. على الرغم من أن هذه القضية ناقشت حصانة وزير الخارجية، إلا أن الممارسات القضائية اللاحقة والتعليقات القانونية على القضية تؤكد أن رأي محكمة العدل الدولية ينطبق أيضاً على رؤساء الدول ورؤساء الحكومات. من المهم الإشارة أن المحكمة وفي نفس القرار وضحت أن هنالك أربع حالات لا تنطبق فيها الحصانة الشخصية وبالتالي تجوز فيها الملاحقة الجنائية لمسؤولي الدول الرفيعين: (أ) يمكن محاكمة المسؤول أمام المحاكم الوطنية في بلده، (ب) إذا تنازلت دولة المسؤول عن الحق في الحصانة، (ج) يمكن محاكمة المسؤول عندما يترك منصبه، (د) يمكن محاكمة المسؤول أمام محكمة جنائية دولية.

أيضاً، على الصعيد الوطني تم التأكيد على الحصانة الشخصية المطلقة لرؤساء الدول من قبل العديد من المحاكم الوطنية. على سبيل المثال في قضية ضد فيديل كاسترو عام ١٩٩٨ أمام المحاكم الإسبانية بتهم تتعلق بالإبادة الجماعية والتعذيب والإرهاب، خلصت المحكمة العليا الوطنية في قرارها أن كاسترو كرئيس دولة في منصبه لديه حصانة مطلقة من الولاية الجنائية للمحاكم الأجنبية، حتى فيما يتعلق باتهامات بارتكاب جرائم دولية. أيضاً في عام ٢٠٠١ تم تقديم شكوى لمحكمة بلجيكية ضد أرييل شارون، رئيس الوزراء الإسرائيلي في ذلك الوقت، بتهم تتعلق بارتكاب جرائم الإبادة وجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب التي وقعت في بيروت في عام ١٩٨٢. خلصت محكمة النقض البلجيكية إلى أنه على الرغم من أن القانون البلجيكي المتعلق بالولاية القضائية العالمية لا يعترف بالصفة الرسمية كسبب للحصانة، إلا أن القانون البلجيكي سيتعارض مع القانون الدولي العرفي إذا تجاهل الحصانة التي يتمتع بها أرييل شارون، كرئيس وزراء في منصبه، ولذلك تم رفض القضية من قبل المحكمة. هنا لا بد من الإشارة إلى أن بلجيكا قامت في عام ٢٠٠٣ بتغيير تشريعاتها المتعلقة بجرائم الحرب واعترفت بشكل كامل بالحصانة الشخصية لرؤساء الدول ورؤساء الحكومات ووزراء الخارجية طوال فترة تواجدهم في مناصبهم. بالمثل، في القضية ضد رئيس زمبابوي موغابي ووزير خارجيتها مودينجي أمام المحاكم الأميركية نظرت المحكمة فيما إذا كان انتهاك حقوق الإنسان الأساسية التي ترقى إلى مرتبة القواعد الآمرة في القانون الدولي (Jus Cogens) يشكل استثناء من الحصانة الشخصية. بالنتيجة، رفضت المحكمة الدعوى وأيدت الحصانة الشخصية. وخلال هذه القضية تدخلت الحكومة الأميركية وقدمت مقترحاً للمحكمة يفيد بتمتع موغابي ومودينجي بحصانة رؤساء الدول. أيضاً من القضايا الهامة التي ناقشت الحصانة الشخصية المطلقة أمام المحاكم الوطنية هي قضية الرئيس التشيلي السابق بينوشيه أمام مجلس اللوردات البريطاني. على الرغم من أن هذه القضية تتعلق برئيس دولة سابق، إلا مجلس اللوردات البريطاني أشار أن قراره بعدم منح بينوشيه كرئيس سابق حصانة لا يؤثر على الحصانة الشخصية لرؤساء الدولة الذين مازالوا في مناصبهم.

لا بد من الإشارة إلى أن مسودة المواد المتعلقة بحصانة مسؤولي الدول من الولاية القضائية الجنائية الأجنبية التي اعتمدتها لجنة القانون الدولي في حزيران/يونيو ٢٠٢٢ أكدت بشكل صريح على الحصانة الشخصية المطلقة التي يتمتع بها رؤساء الدول، رؤساء الوزراء ووزراء الخارجية أمام المحاكم الوطنية الأجنبية وأنها تشمل جميع الأفعال الصادرة عنهم خلال تواجدهم في المنصب وقبل استلامهم للمنصب، سواء صدرت عنهم بالصفة الرسمية أم الخاصة (المواد ٣ و٤). في هذا السياق أكدت اللجنة الاستشارية لقضايا القانون الدولي العام في هولندا (CAVV) في رأي استشاري حول مسودة مواد الحصانة المذكورة صادر في حزيران/يونيو ٢٠٢٣ أن الحصانة الشخصية وفق المادة ٤ هي حصانة مطلقة تمتد لتشمل جميع الأفعال بما في ذلك تلك التي تعتبر جرائم بموجب القانون الدولي.

مذكرة توقيف رغم الحصانة الشخصية

واضح من موقف محكمة العدل الدولية والمحاكم الوطنية أن رؤساء الدول الذين مازالوا في مناصبهم يتمتعون بالحصانة الشخصية المطلقة أمام المحاكم الوطنية للدول الأجنبية حتى بالنسبة للجرائم الدولية الخطيرة. القضاة الفرنسيون بكل تأكيد على دراية بالحصانة الشخصية التي قد يتمتع بها بشار الأسد بموجب القانون الدولي وغالباً بحثوا في جميع الحجج التي تدعم وجود هذه الحصانة ومع ذلك مضوا قدماً وأصدروا مذكرة توقيف. وبالتالي من المرجح أنه يوجد حجج قانونية ويوجد في ظروف وملابسات هذه القضية ما يبرر التخلي عن الحصانة ومحاكمة بشار الأسد و قد تتمحور هذه الحجج بشكل خاص حول استخدام السلاح الكيماوي.
خطورة الجرم والعدد الكبير من الضحايا والمعاناة الجسدية والنفسية التي نتجت عنه ووجود أدلة قطعية على تورط بشار الأسد شخصياً في الهجمات الكيماوية والإجماع الدولي على ضرورة المحاسبة على الأرجح لعبت دوراً كبيراً في إصدار هذه المذكرة. استخدام الأسلحة الكيماوية محظور بشكل مطلق في القانون الدولي حيث يعود هذا الحظر إلى إعلان لاهاي عام ١٨٩٩ بشأن الغازات الخانقة ومن ثم بروتوكول جنيف لحظر الاستعمال الحربي للغازات الخانقة أو السامة أو ما شابهها ولوسائل الحرب البكتريولوجية عام ١٩٢٥ وصولاً إلى اتفاقية حظر الأسلحة الكيمياوية التي دخلت حيز التنفيذ عام ١٩٩٧وهي معاهدة تضم كل الدول العالم تقريباً (١٩٣ دولة طرف في الاتفاقية) وأكثر شمولاً من بروتوكول جنيف، حيث لا تحظر فقط استخدام الأسلحة الكيماوية وإنما أيضاً تطوير وإنتاج وتخزين ونقل الأسلحة الكيميائية وتتطلب تدميرها خلال فترة زمنية محددة.
أيضاً هناك إجماع كبير بين دول العالم على إدانة استخدام الأسلحة الكيماوية من قبل النظام السوري وضرورة محاسبة الأفراد المسؤولين. أدى استخدام الأسلحة الكيمياوية من قبل النظام السوري إلى تصويت غير مسبوق على تعليق حقوق وامتيازات التصويت لسوريا في منظمة حظر الأسلحة الكيماوية في عام ٢٠٢١، وهي مبادرة رعتها ٤٦ دولة وصوتت لصالحها ٨٧ دولة وعارضتها ١٥ دولة فقط. أيضاً تبنى مجلس الأمن عدة قرارات تؤكد أن استخدام الأسلحة الكيماوية في سوريا يشكل انتهاكاً خطيراً للقانون الدولي وأنه لا بد من محاسبة جميع الأفراد المسؤولين عن استخدام الأسلحة الكيماوية في سوريا (القرارات ٢١١٨/٢٠١٣، ٢٢٠٩/٢٠١٥، ٢٣١٤/٢٠١٦، ٢٣١٩/٢٠١٦). في نفس السياق تبنت الجمعية العامة العديد من القرارات التي تؤكد على ضرورة محاسبة جميع المسؤولين عن استخدام الأسلحة الكيماوية في سوريا (القرارات ٨٦/١٨٢/٢٠١٣، ٧٠/٤١/٢٠١٥، ٧١/٦٩/٢٠١٦، ٧٢/٤٣/٢٠١٧، ٧٣/٤٥/٢٠١٨، ٧٤/٤٠/٢٠١٩، ٧٤/١٦٩/٢٠١٩، ٧٥/٥٥/٢٠٢٠، ٧٥/١٩٣/٢٠٢٠). رغم كل هذه القرارات لم تجرِ أي محاسبة قضائية حتى الآن.
حجة أخرى من الممكن أن القضاة في فرنسا استندوا إليها لرفض إثارة الحصانة، هي قضية بينوشيه أمام مجلس اللوردات البريطاني. كانت إحدى الحجج التي تقدم بها أحد اللوردات (اللورد Hope) لعدم منح بينوشيه الحصانة هو أنه لا يجوز لدولة موقعة على اتفاقية التعذيب أن تثير موضوع الحصانة أمام محاكم دولة أخرى طرف في المعاهدة في حالة وجود ادعاءات بالتعذيب المنهجي أو واسع النطاق ضد مسؤوليها أو أي شخص آخر يتصرف بصفة رسمية. صحيح أن هذه القضية ناقشت الحصانة الوظيفية لرئيس دولة سابق متهم بارتكاب التعذيب إلا أن هذه الحجة قد تكون ذات صلة في القضية الحالية. سوريا طرف في اتفاقية حظر الأسلحة الكيماوية وبالتالي من المقبول القول أنه لا يجوز لها أن تتحجج بوجود الحصانة في حال وجود ادعاءات تتعلق باستخدام الأسلحة الكيماوية أمام محاكم دولة أخرى طرف في الاتفاقية.

لا بد من الإشارة أن قرار قضاة التحقيق في فرنسا بتجاوز الحصانة الشخصية وإصدار مذكرة التوقيف ليس قطعياً، ونظرياً من الممكن الطعن بالمذكرة أمام القضاء الفرنسي من قبل المدعي العام أو من الدفاع (في حال تم توكيل محامٍ لتمثيل عن بشار الأسد) وإثارة موضوع الحصانة الشخصية لبشار الأسد، وعندها على القضاء الفرنسي أن يبت فيما إذا كان بشار الأسد يتمتع بالحصانة الشخصية أم لا قبل النظر في موضوع الادعاء. كذلك من الناحية القانونية، يمكن للدولة السورية اللجوء إلى محكمة العدل الدولية للاعتراض على مذكرة التوقيف الفرنسية على غرار الدعوى التي تقدمت بها الكونغو ضد بلجيكا، أو للاعتراض على أي قرار لاحق يصدر عن القضاء الفرنسي في حال تقرر المضي بالدعوى وأن بشار الأسد لا يتمتع بالحصانة الشخصية أمام المحاكم الوطنية الفرنسية. لذلك ستكون هذه القضية فرصة حقيقية ليس فقط أمام القضاء الفرنسي وإنما أمام دول العالم لإعادة النظر في قواعد الحصانة الشخصية عن الجرائم الدولية الخطيرة وتحقيق العدالة لضحايا هذه الجرائم. بغض النظر عن النتيجة، فإن أي اعتراض أو نقاش قانوني حول موضوع الحصانة أمام المحاكم الدولية أو المحلية سيطرح أمام هذه المحاكم الأدلة الكثيرة حول تورط بشار الأسد في جرائم الكيماوي، وبالتالي فإن حتى التحديات قد التي تشكلها مسألة الحصانة سيكون لها فوائد كبيرة في جهود المناصرة في وقت تحاول فيه بعض الدول التغاضي عن الجرائم في سوريا والتطبيع مع النظام، وهو ما يضيف أيضاً إلى أهمية هذه المذكرة.

أخيراً لا بد من الإشارة أن هناك قضية تم فيها رفض منح الحصانة الشخصية لرئيس دولة من قبل محكمة وطنية، وهي قضية رفعت في الولايات المتحدة الأميركية عام ١٩٩٠ ضد الجنرال مانويل نورييغا رئيس بنما في ذلك الوقت. وهي قضية لا تتعلق بجرائم دولية خطيرة، وإنما بتهم تتعلق بالاتجار بالمخدرات. بنتيجة هذه القضية تم إدانة نورييغا وحُكم عليه بالسجن. لم تستند هذه القضية إلى أن رئيس الدولة الذي مازال في منصبه ليس له الحق في التمسك بالحصانة الشخصية وإنما لم يتم منح الحصانة على أساس أن الحكومة الأمريكية لم تعترف بنورييغا أبداً كرئيس دولة. في الوقت الحالي الولايات المتحدة الأميركية هي الدولة الوحيدة التي تعطي لنفسها الحق في إخضاع مسؤولي الدول لولايتها القضائية على الرغم من أنها ما زالت تعترف بالحصانة الشخصية. حيث يتضمن قانون الحصانات السيادية الأجنبية الأميركي (Foreign Sovereign Immunities Act of 1976) – بموجب تعديل تم اعتماده في عام ١٩٦٦(Flatow Amendment) – بعض الاستثناءات لمبدأ الحصانة. حسب هذا التعديل يمكن مطالبة دولة أجنبية بتعويضات مالية أمام القضاء الأميركي عن الإصابات الشخصية أو الوفاة الناجمة عن أعمال التعذيب، أو القتل خارج القضاء أو تخريب الطائرات أو أخذ الرهائن أو توفير الدعم المادي أو الموارد لمثل هذا العمل في حال تم تصنيف الدولة الأجنبية من قبل الولايات المتحدة كدولة راعية للإرهاب. صحيح أنه لا يمكن القياس على الوضع في الولايات المتحدة الأميركية لتبرير رفع الحصانة الشخصية، إلا أن التوجه الأميركي يؤكد أنه من الممكن أن تقوم الدول بإعادة النظر في مسألة الحصانة الشخصية للرؤساء في حالات معينة، قد يكون ارتكاب الجرائم الدولية بما فيها لاستخدام الأسلحة الكيماوية إحدى هذه الحالات في المستقبل.

خاتمة

يستعرض هذا المقال الحجج القانونية التي قد تبرر منح الحصانة الشخصية لبشار الأسد والتي يمكن أن تثيرها بعض الدول للامتناع عن تنفيذ المذكرة الفرنسية. في نفس الوقت يجادل المقال بأن هناك حجج قوية استند إليها القضاة في فرنسا لتجاوز الحصانة كخطورة الجريمة والإجماع الدولي على ضرورة المحاسبة على استخدام السلاح الكمياوي في سوريا والأدلة القوية على تورط بشار الأسد في الجريمة. قد يكون من مصلحة بعض الدول التمسك بموضوع الحصانة الشخصية المطلقة لمسؤولي الدول أمام المحاكم الوطنية الأجنبية ومعارضة تنفيذ مذكرة التوقيف بحق بشار الأسد، لأن التنازل عن الحصانة الشخصية والقبول بولاية القضاء الوطني الأجنبي قد يشكل سابقة تفسح المجال أمام العديد من المحاكمات ضد مسؤولين مازالوا في مناصبهم، إلا أنه في المقابل سيكون هناك دول أخرى تدعم هذه المذكرة وتؤيد رفع الحصانة عن رؤساء الدول في حال ارتكابهم جرائم خطيرة ضد القانون الدولي. جهود المناصرة التي تقوم بها منظمات المجتمع المدني السوري ومجموعات الضحايا قد تلعب دوراً كبيراً في حث الدول على إصدار بيانات واتخاذ مواقف رسمية تؤكد دعمهم للمذكرة وتأييدهم لضرورة رفع الحصانة الشخصية في حالة الجرائم الدولية الخطيرة، وهذا ما قد يكون بداية لممارسة جديدة في القانون الدولي قد تشكل استثناءً لمبدأ الحصانة المطلقة لرؤساء الدول.

أخيراً، بغض النظر عن النقاش حول مدى إلزامية هذه المذكرة بالنسبة لباقي دول العالم لا يمكن أبداً التقليل من أهميتها أو أهمية المحاكمات التي جرت وتجري في أوروبا وفقاً للولاية القضائية العالمية ضد مرتكبي الجرائم الدولية في سوريا. وفرت الولاية القضائية العالمية، وما زالت، آلية مهمة لمحاسبة الجناة ومكافحة الإفلات من العقاب في ظل عدم وجود محكمة دولية ذات اختصاص للنظر في الجرائم الدولية المرتكبة في سوريا، وساهمت وتساهم في مواجهة جهود التطبيع التي يقودها النظام لإعادة تعويم نفسه. هذه المذكرة ما كانت لتصدر لولا الجهود الكبيرة التي قامت بها المنظمات السورية وروابط الضحايا والأدلة القوية التي قدمتها حول تورط بشار الأسد بشكل مباشر في هجمات الكيماوي وهي صادرة عن جهة قضائية مستقلة، وليس سياسية، وبناء على حجج قانونية وبالتالي أثرها سيكون كبير في مواجهة جهود التطبيع وإعادة بعض الدول لعلاقاتها مع بشار الأسد، الذي سينظر له كمجرم “يختبئ” وراء الحصانة.

لتحميل التقرير

بيان مطلب إنشاء محكمة استثنائية لألسلحة الكيميائية

نوفمبر 30, 2023    |   مشاهدات                  |   تحميل التقرير PDF    |   هذا المنشور متوفر أيضاً باللغة: الإنجليزية

نحن مجموعة من مؤسسات حقوقية وإنسانية ومدنية سورية، ومن روابط ومجموعات الضحايا وذويهم، والشهود والناجين والناجيات من الهجمات الكيميائية في سوريا،

انطلاقاً من:

1. تعرضنا بشكل مباشر لهذه الأسلحة الفتاكة، والتي تسبب آلاماً وأضراراً شديدة وطويلة الأمد، وتعاملنا الدائم مع تبعاتها سواء عند وقوع هذه الهجمات، أو في المحافل الدولية والمحاكم من خلال جهود الاستجابة والتوثيق والمناصرة والتقاضي ودعم التعافي في الحالات الممكنة.

2. وإيماناً منا أن حالة الإفلات من العقاب السائدة تضعف قوة الاستجابة لجرائم استخدام الأسلحة الكيميائية، وتنهي الحظر المطلق لهذه الأسلحة مما يزيد من احتمال استخدامها في المستقبل، ويضعف مكانة ومصداقية المؤسسات والمنظمات الدولية المعنية بحفظ الأمن والسلام والاستقرار.

وبناء على النقاط التالية:

3. وجود حظر دولي تام لاستخدام الأسلحة الكيميائية مصان في الاتفاقيات والأعراف الدولية.

4. وقوع انتهاكات متكررة لهذه القاعدة العالميّة بطريقة غير مسبوقة في النّزاع السوري.

5. تكدس الأدلّة الدامغة التي قامت منّظمة حظر الأسلحة الكيميائية بجمعها، والتي تشير إلى مسؤولية السلطات السورية عن تسع ضربات منها، وتنظيم الدولة الإسلامية عن ضربتين.

6. قيام الآلية الدولية المحايدة والمستقلة التي أنشأها المجتمع الدولي بالبناء على مثل هذه الأدلة دون وجود محكمة دولية جنائية تستطيع سماعها والبت فيها.

7. عدم قدرة المحكمة الجنائية الدولية البت في هذا الانتهاك الصارخ لأن سوريا لم توقع على قانون إنشاء المحكمة، ولأن محاولة إحالة الملف من قبل مجلس الأمن إلى المحكمة الجنائية الدولية قوبل بالفيتو في عام 2014.

8. قدرة الدول ضمن حقوقها السيادية على المحاسبة بشكل جماعي ووجود النصوص الدولية ذات الصلة التي تدعم وتشجع السير بعملية المحاسبة.

9. صرامة القرارات الدولية من مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة في سياق محاسبة جميع الأفراد والجهات والحكومات على استخدام الأسلحة الكيميائية، وخاصة قرارات مجلس ٦٨\١٨٢ وقرارات الجمعية العامة٢٣١٩ ،٢٣١٤ ،٢٢٣٥ ،٢٢٠٩ ،٢١١٨ الأمن ،)٢٠١٨( ٧٣\١٨٢ ،)٢٠١٧( ٧٢\٤٣ ،)٢٠١٦( ٧١\٦٩ ،)٢٠١٥( ٧٠\٤١ ،)٢٠١٣( )٢٠٢١( ٧٦\٢٢٨ ،)٢٠١٩( ٧٤\١٦٩ ،)٢٠١٩( ٧٤\٤٠

قامت مجموعات وأفراد منا، منذ استخدام الأسلحة الكيميائية في الصراع السوري، وبشكل مكثف في الآونة الأخيرة بالخطوات التالية:

10. المناصرة تجاه محاسبة جميع الأفراد أو الجهات المتورطة باستخدام الأسلحة الكيمائية.

11. رغم الصعوبات القانونية والإدارية والنفسية التي يعانيها ضحايا الهجمات الكيماوية، إلا أن جهوداً مكثفةً من قبلنا بذلت في مجال التقاضي والمحاسبة أمام المحاكم المحلية في الدول التي وصل لها اللاجئون السوريون، ومن بينهم من نجا من الهجمات الكيماوية، بالاستعانة بمبدأ الولاية القضائية العالمية، أو غيرها من القوانين المحلية التي تدعم مكافحة الإفلات من العقاب في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، ومنها الهجمات بالأسلحة الكيماوية، والتي أفضت في واحدة منها إلى صدور مذكرات توقيف بحق الرئيس السوري بشار الأسد وشقيقه ماهر وضابطين آخرين، أمام المحاكم الفرنسية، ما يعدّ سابقة قضائية تاريخية تستحق الإشادة بجهود وشجاعة الضحايا والشهود.

12. بدء دراسات ونقاشات معمقة لما يمكن فعله للتعامل مع حالة الإفلات من العقاب على المستوى الدولي، ومحاولة طرح الحلول القانونية التي تسعى لتجاوز هذه الحالة.

13. وضع مسودة مقترح لإنشاء محكمة دولية، بهدف المحاسبة الجنائية عن الحالات المثبتة لاستخدام الأسلحة الكيماوية، والتي لا يوجد لها منفذ قضائي جنائي دولي، وهو ما ينطبق على الحالة السورية.

14. إجراء مشاورات مكثفة على مستوى خبراء قانونيين وممثلي حكومات على المستوى التقني والسياسي عالي المستوى، ومؤسسات دولية معنية حول هذا المقترح للتأكد من وجود أساس قانوني وسياساتي داعم له.

و بناء على كل ما ذكر، فإننا، في ٣٠نوفمبر ،٢٠٢٣يوم إحياء ذكرى جميع ضحايا الحرب الكيميائية العالمي:

نطالب الدول بإنشاء محكمة استثنائية للأسلحة الكيميائية، لمحاكمة مستخدمي الأسلحة الكيميائية دوليا في الحالات التي لا يمكن اللجوء فيها إلى المحافل الجنائية القضائية الدولية القائمة، كما هو الحال في سوريا.
للتفاصيل زيارة الموقع: www.cwtribunal.org

البيان الختامي لمؤتمر المجتمع المدني السوري بخصوص األسلحة الكيميائية

نوفمبر 16, 2023    |   مشاهدات                  |   تحميل التقرير PDF    |   هذا المنشور متوفر أيضاً باللغة: الإنجليزية

٢٣ تشرين الثاني، ٢٠٢٣
خلال العقد المنصرم، ومنذ التوقيع على اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية من قبل الجمهورية العربية السورية ممثلةً بالنظام السوري، شهدت سوريا انتهاكات جسيمة لهذه الاتفاقية تمثلت و حسب تقارير الشبكة السورية لحقوق الإنسان في استخدام متكرر للغازات السامة بما يزيد عن 184 استهداف منذ أيلول 2013، كما ترافقت هذه الاستهدافات مع تطوير الترسانة الكيميائية السورية، مما يمثل خرقًا صارخًا لقرار مجلس الأمن الدولي 2118 وانتهاك واضحاً وجوهرياً لاتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية.

في ظل استمرار هذه الهجمات، تحملنا نحن، مؤسسات المجتمع المدني السوريّة، عاتق وعبء الاستجابة في واقع مأساوي يتسم بنقص الخبرات والمعدات اللازمة وآثار الحرب على البنى التحتية ذات الصلة، بالإضافة الى منهجية الحصار التي فرضها النظام السوري على العديد من المناطق مثل الغوطتين الشرقية والغربية ومدينة حلب، وهو ما أثر بشكل كبير ومباشر على فاعلية الاستجابة لمثل هذه الهجمات.

رغم كل ذلك، وعلى مدار العشر سنوات الماضية تعاونت منظمات المجتمع المدني السوري و مجموعات الناجين والضحايا مع فرق التحقيق الدولية المتعددة التي حققت في هذه الاستهدافات، وإننا إذ نقدر بشكل كبير جهود فرق التحقيق التابعة لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية على مدار السنوات العشر الماضية، رغم العقبات التي واجهتها، فإننا ندين استراتيجية النظام السوري في التعامل مع الهجمات الكيماويّة. تمثلت هذه الاستراتيجية باستمرار استخدام الغازات السامة، و تطوير الترسانة الكيميائية و عرقلة عمل فرق التحقيق الدوليّة عبر محاولات تضليل المحققين ومنع وصولهم إلى المواقع المستهدفة، بالإضافة إلى ترهيب الشهود وتدمير الأدلة وطمس الحقائق. تزامن كل ذلك مع استمرار روسيا بتوفير الحماية للنظام السوري وتسخير جهودها الدبلوماسية وقدراتها الإعلامية لعرقلة أي مسار اتجاه العدالة بما فيه تقويض مصداقية منظمة حظر الأسلحة الكيميائية والطعن المسبق بنتائج التقارير الصادرة عن فرقها المختلفة.

 لقد واجهنا كشهود وناجين وناجيات وذوي ضحايا ومستجيبين تحديّات جمة تمثلت في حملات تضليل وتشويه للحقائق من قبل النظام السوري وحليفه روسيا، بهدف تقويض الحقيقة ومنع الشهود والناجين من الإدلاء بشهاداتهم، عبر عدة حملات دعائية بالتوازي مع حملات أمنية استهدفت الشهود وذوي الضحايا بشكل مباشر عبر منهجية الإخفاء القسري والتهديد بسلب الحياة ومن هذه الممارسات ما ذُكر بشكل واضح في التقرير الثالث لفريق التحقيق و تحديد الهوية IIT التابع منظمة حظر الاسلحة الكيميائية بخصوص حادثة دوما و الصادر في كانون الثاني 2023.

وعليه، فإننا نؤكد على إصرارنا في الاستمرار ببذل كل الجهود الممكنة لدعم هذه التحقيقات و نطالب بتوسيع تفويضها وآلياتها لتشمل التحقيق في كافة الهجمات الكيماويّة. كما نرحب بالجهود المبذولة من خلال الأجهزة القضائية لعدد من البلدان الأوروبيّة التي تتناول قضايا استخدام السلاح الكيماوي من خلال الاختصاص القضائي العالمي، و نطالب الدول الأعضاء في منظمة حظر الأسلحة الكيميائية بضرورة اتخاذ الإجراءات اللازمة لتوفير الحماية والدعم للشهود والناجين وذوي الضحايا إضافة لمنظمات المجتمع المدني السوري التي تلعب دورا مهما في الاستجابة و التوثيق لهذه الهجمات.

كما نؤكد على أن الضمان الوحيد لوقف هذه الانتهاكات وعدم تكرارها حول العالم هو اتخاذ خطوات مشتركة و جمعية لمحاسبة جميع الأطراف التي ساهمت بشكل أو بأخر بخرق اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية والقرارات الدولية ذات الصلة.
وعليه نطالب الدول الأعضاء باتخاذ إجراءات شاملة ومشتركة وجديّة ، بحسب المادة 12 من اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية، بما يتوافق مع القانون الدولي، بغية الوصول إلى آلية مساءلة قضائيّة دولية تحقق العدالة للضحايا وذويهم وتحاسب جميع الأطراف المنخرطة باستخدام السلاح الكيماويّ ضد المدنيين وترسخ مبدأ عدم الإفلات من العقاب

تؤكد المنظمات الموقعة أدناه بما يلي:

1. على الدول الأطراف إعطاء الأولوية للتصدي لاستخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا ضمن الأنشطة المتعلقة بالأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية: إن عدم إحراز تقدم وعدم الامتثال لإعلان منظمة حظر الأسلحة الكيميائية من السلطات السورية يستدعي المزيد من التدقيق والمساءلة

إن استمرار الإفلات من العقاب بخصوص استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا وعدم امتثال الحكومة السورية لتصريحها الأولي لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية يشكل تهديدا لاستقرار أي سلام مستقبلي للسوريين وسط تجميد النزاع في سوريا ويقوض المعايير الدولية التي تحظر استخدامها. إن عدم إحراز تقدم في معالجة القضايا العالقة في التصريح الأولي لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية من قبل الحكومة السورية والإخفاء المستمر للحقيقة يستدعي المزيد من التدقيق والمواصلة في التدقيق، وليس العكس.

2. على الدول الأطراف تقديم المزيد من الدعم للمجتمع المدني السوري في أنشطته في مجال التوثيق وأنشطته القائمة على المساءلة وقدرته على الاستجابة الأولية، بطريقة مستدامة وطويلة الأمد

بعد مرور عشر سنوات على أول هجوم كيميائي في سوريا، بذلت الهيئات التابعة للأمم المتحدة والمنشأة من قبل منظمة حظر الأسلحة الكيميائية جهودا مهمة للتحقيق في انتهاكات اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية. اعتمدت هذه النتائج بشكل كبير على جهود منظمات المجتمع المدني السوري، التي لعبت دورا أساسيا في توثيق الهجمات الكيميائية المتعددة، وجمع الأدلة والتعاون على نطاق واسع مع عمليات التحقيق القائمة. على مدى العقد الماضي، استثمرت منظمات المجتمع المدني الإنسانية والطبية السورية أيضا في الاستعداد التنظيمي للاستجابة إلى الهجمات الكيميائية، على الرغم من الظروف الصعبة للغاية.

3. على الدول الأطراف إبطال رواية السلطات السورية بشأن استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا على أنها غير شرعية، وأن تتخذ الإجراءات المناسبة لضمان عدم استمرار هذه الرواية على حساب الناجين والضحايا.

على الرغم من وجود مجموعة من الأدلة على استخدام الأسلحة الكيميائية، فقد نجحت حملات التضليل والإنكار المستمرة في تشويه الحقائق، وتعريض حياة الناس للخطر، والتسبب في معاناة جديدة ومضاعفة للضحايا، ترقى إلى شكل من أشكال المعاملة اللاإنسانية أو المهينة أو القاسية. وينبغي للدول الأطراف أن ترفض إعطاء المزيد من المساحة والاهتمام لهذه المحاولات التحريفية وأن تتخذ إجراءات لإدانة الإنكار والمعلومات المضللة نظرا لتأثيرها على الضحايا والناجين. والأهم من ذلك، عليها دعم الجهود الجارية والمستقبلية الرامية إلى الاعتراف والإقرار بتجارب الضحايا والناجين وحقيقتهم.

4. على الدول الأطراف ضمان التنفيذ الكامل لقرار مجلس الأمن رقم 2118 لعام 2013

بسبب غضبه العميق من استخدام الأسلحة الكيميائية في دمشق في آب 2013، أيد مجلس الأمن الدولي التدمير السريع لبرنامج الأسلحة الكيميائية السوري، داعيا إلى محاسبة مرتكبي هذه الجرائم الفظيعة. وبدلا من أن يؤدي القرار إلى إنهاء استخدام الأسلحة الكيميائية، أصبح القرار واحدا فقط من العديد من القرارات التي تدين استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا. بعد عقد من أول استخدام للأسلحة الكيميائية في سوريا، حان الوقت للدول الأطراف الجادة لاتخاذ جميع الإجراءات اللازمة لتنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2118، والعديد من قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة التي اعتمدها المجتمع الدولي والتي تدعو إلى المساءلة عن استخدام الأسلحة الكيميائية، وفقا لميثاق الأمم المتحدة.

5. وفقا للمادة 12 (3) من اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية، على الدول الأطراف اتخاذ تدابير جماعية ردا على استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا من خلال مؤتمر الدول الأطراف.

من خلال استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا، ارتكبت الحكومة السورية أنشطة محظورة بموجب اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية. يؤدي استمرار الإفلات من العقاب إلى إلحاق أضرار جسيمة بموضوع وغرض الاتفاقية التي تهدف في الأصل إلى فرض الحظر المطلق على استخدام الأسلحة الكيميائية والمساءلة عن الأفعال أو الإغفالات التي تؤدي إلى انتهاكات للاتفاقية. ولتجنب حدوث أي ضرر آخر لايمكن جبره لغرض الاتفاقية، ينبغي للدول الأطراف إنفاذ المادة 12 (3) واتخاذ تدابير جماعية، وفقا لالتزامات الدول بموجب القانون الدولي.

6. يجب على الدول الأطراف تنفيذ مذكرات التوقيف الدولية التي أصدرتها فرنسا بحق بشار الأسد وماهر الأسد والجنرالين العسكريين غسان عباس وبسام الحسن بشأن استخدام الأسلحة الكيميائية المحظورة.

في 15 تشرين الثاني، أصدر قضاة التحقيق الجنائي في فرنسا مذكرات توقيف بحق الرئيس بشار الأسد وشقيقه ماهر الأسد واثنين آخرين من كبار المسؤولين بسبب استخدام الأسلحة الكيميائية ضد المدنيين في الغوطة الشرقية، في آب 2013. تشير مذكرات التوقيف إلى المؤهلات القانونية للتواطؤ في جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب. وينبغي للدول الأطراف إنفاذ مذكرات التوقيف وفقا للالتزام بالمحاكمة أو التسليم وفقا للقانون الدولي العرفي فيما يتعلق بالجرائم المزعومة ضد الإنسانية.

7. في ضوء قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة ذات الصلة التي تدعو إلى المساءلة، وفي إطار حقوق الدول والالتزامات المتأصلة في الصكوك الدولية، يجب على الدول اتخاذ خطوات فعالة بشكل جماعي لضمان الملاحقة الدولية لجميع الأفراد المسؤولين عن استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا وخارجها.

كرس المجتمع المدني السوري جهودا حثيثة لاحتجاز جميع الجناة الأفراد لاستخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا. ومع ذلك، فإن الحاجة إلى العدالة للضحايا والناجين أكبر من قدرة الآليات القائمة. وهناك حاجة إلى أداة دولية لمساءلة جميع الأفراد على النحو الذي أكدته النتائج التي توصلت إليها منظمة حظر الأسلحة الكيميائية. ويدعو المجتمع المدني السوري إلى بذل جهود جماعية متعددة الأطراف تجد فيها الدول، الملتزمة بجدية لحماية قاعدة الحظر المطلق لاستخدام الأسلحة الكيميائية، سبلا لمقاضاة استخدام الأسلحة الكيميائية على المستوى الدولي.