مذكرة التوقيف الفرنسية: فرصة لإعادة النظر في الحصانة الشخصية لرؤساء الدول

ديسمبر 15, 2023    |   مشاهدات [jp_post_view]   | الكاتب: مهند شرباتي مسؤول قانوني – وحدة الدعم بالقانون الدولي

في ١٥ تشرين الثاني/نوفمبر ٢٠٢٣ أصدر قضاة تحقيق جنائيون في فرنسا مذكرة توقيف بحق الرئيس السوري بشار الأسد بتهمة التواطؤ في جرائم ضد الإنسانية متعلقة بالهجمات الكيمياوية في مدينة دوما والغوطة الشرقية في آب/أغسطس ٢٠١٣، والتي أسفرت عن مقتل أكثر ألف شخص. جاءت المذكرة نتيجة شكوى تقدم بها المركز السوري للإعلام وحرية التعبير و مجموعة من الضحايا عام ٢٠٢١ وتم لاحقاً الانضمام إليها ودعمها من قبل الأرشيف السوري ورابطة ضحايا الأسلحة الكيماوية ومبادرة عدالة المجتمع المفتوح والمدافعون عن الحقوق المدنية وقد شملت أيضاً ماهر الأسد قائد ما يسمى الفرقة الرابعة في الجيش العربي السوري، بالإضافة إلى ضابطين أخرين هما غسان عباس والعميد بسام الحسن.

إصدار هذه المذكرة يعتبر خطوة بارزة في طريق السعي للعدالة والمحاسبة في سوريا فرغم جسامة هذه الجريمة والعدد الكبير من الضحايا والإصابات الجسدية والنفسية الذي نتجت عنها لم يتم محاسبة أي مسؤول عن استخدام السلاح الكيماوي. إضافة إلى أنها أول مرة تصدر فيها مذكرة توقيف بحق الرئيس السوري وأول مرة تصدر فيها مذكرة توقيف من قضاء وطني بحق رئيس دولة مازال في منصبه. ومما يزيد من أهمية هذه الخطوة هو أن المذكرة صدرت بعد تحقيق استغرق فترة طويلة مما يعني أن هناك أدلة قوية وموثوقة حول مسؤولية بشار الأسد، وبالتالي بغض النظر عن احتمال وجود تحديات إجرائية قانونية قد تواجه هذه القضية فإنه سيكون من الصعب نفي هذه المسؤولية عن بشار الأسد في المستقبل.

في ظل وجود تحديات إجرائية في مثل هذا النوع من القضايا، برزت تساؤلات عدة حول إمكانية تنفيذ المذكرة وتوقيف بشار الأسد وتسليمه إلى القضاء في فرنسا. على الرغم من وجود أدلة قوية تؤكد تورطه بشكل مباشر في الجرائم التي ارتكبت ومازالت ترتكب في سوريا، قد تتحجج بعض الدول بأن بشار الأسد مازال رئيس دولة من الناحية القانونية وبالتالي فإن تنفيذ المذكرة قد يتجاوز اتفاقيات تسليم المجرمين، ويرتبط بشكل مباشر بالحصانة التي يتمتع بها رؤساء الدول بموجب القانون الدولي أمام المحاكم الوطنية الأجنبية. يناقش هذا المقال ما إذا كان القانون الدولي يفرض التزاماً على الدول بتنفيذ مذكرة التوقيف الفرنسية بحق بشار الأسد في حال تواجده على أراضيها، وفيما إذا كانت الحصانة التي يتمتع بها رؤساء الدول بموجب القانون الدولي ستشكل عائقاً أمام توقيف بشار الأسد على الرغم من أن الاتهام يتعلق بانتهاكات خطيرة للقانون الدولي.

نوعان للحصانة بموجب القانون الدولي

وفقاً للقانون الدولي هناك نوعان من الحصانة التي يتمتع بها الأفراد (١) الحصانة الشخصية (Personal Immunity or immunity ratione personae) و (٢) الحصانة الوظيفية (Functional Immunity or immunity ratione materiae). الحصانة الشخصية تعني الحماية من المحاكمة أمام المحاكم الوطنية الأجنبية التي يتمتع بها بعض مسؤولي الدولة بسبب صفتهم ووضعهم الرسمي في الدولة. ترتبط هذه الحصانة بعدد من المناصب العليا في الدول وعلى وجه التحديد رؤساء الدول ورؤساء الحكومات ووزراء الخارجية. وهي حصانة مطلقة، بمعنى أنها تشمل جميع الأفعال المرتكبة سواء بصفة رسمية أو خاصة قبل وأثناء تولي المنصب، وتتوقف حماية الحصانة الشخصية بمجرد مغادرة الفرد لمنصبه حتى بما يتعلق بأفعال قام بها عندما كان في المنصب. أما الحصانة الوظيفية تعني الحصانة من اختصاص المحاكم الوطنية الأجنبية التي يتمتع بها الأفراد بسبب الطابع الرسمي لبعض الأفعال التي يقومون بها بصفتهم الرسمية نيابة عن الدولة. على عكس الحصانة الشخصية، ترتكز الحصانة الوظيفية على الفعل أو السلوك نفسه وليس على منصب الشخص الذي قام بالفعل. وبالتالي فهي لا تقتصر على عدد من المناصب العليا في الدولة وإنما تشمل أي موظف يتصرف نيابة عن الدولة مهما كان منصبه. وتشمل هذه الحصانة الأعمال الحكومية والأعمال التجارية للدولة، ما لم تتم بصفة شخصية. ولا تكون الأفعال رسمية بطبيعتها إلا عندما يكون الفعل منسوباً حصراً إلى الدولة.

الحصانة الوظيفية لرؤساء الدول تصبح ذات أهمية فقط عندما يترك رئيس الدولة منصبه، لأنه أثناء وجوده في المنصب يتمتع بحصانة شخصية. لذلك قد لا يكون هذا النوع من الحصانة ذا صلة عند النقاش حول المذكرة الصادرة ضد بشار الأسد كونه مازال في منصبه ومن الناحية القانونية يتمتع بحصانة بشخصية. إلا أنه من المهم الإشارة إلى أنه من المقبول على نطاق واسع أن الحصانة الوظيفية أمام المحاكم الوطنية لا تشمل الجرائم الدولية الخطيرة كجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية كونها لا تعتبر تصرفات رسمية نيابة عن الدولة. اجتهادات المحاكم تدعم وجود قاعدة عرفية دولية تفيد بأن الحصانة الوظيفية لمسؤولي الدول السابقين لا تنطبق أمام المحاكم الوطنية الأجنبية في حالات الجرائم الدولية الخطيرة (على سبيل المثال القضية ضد الضابط النازي إيخمان، والقضية ضد الرئيس السابق لتشيلي بينوتشيه أمام القضاء البريطاني). أيضاً أكدت على ذلك لجنة القانون الدولي في مسودة المواد المتعلقة بحصانة مسؤولي الدول من الولاية القضائية الجنائية الأجنبية التي اعتمدتها في حزيران/يونيو ٢٠٢٢. حيث نصت المادة ٧ أن الحصانة الوظيفة أمام المحاكم الأجنبية الوطنية لا تشمل مجموعة من الجرائم الدولية هي جريمة الإبادة الجماعية، الجرائم ضد الإنسانية، جرائم الحرب، جريمة الفصل العنصري، جريمة التعذيب وجريمة الاختفاء القسري.

لا حصانة شخصية أمام المحاكم الدولية

لا يمكن الاحتجاج بالحصانة الشخصية أمام المحاكم الدولية. ينص نظام روما الأساسي لمحكمة الجنايات الدولية على ذلك بشكل صريح حيث تنص المادة 27 (2) على أنه “لا تحول الحصانات أو القواعد الإجرائية الخاصة التي قد ترتبط بالصفة الرسمية للشخص سواء كانت في إطار القانون الوطني أو الدولي دون ممارسة المحكمة اختصاصها على هذا الشخص”. وقد تم التأكيد من قبل محكمة العدل الدولية في قضية مذكرة التوقيف/الكونغو ضد بلجيكا (Arrest Warrant Case) أن الحصانات بموجب القانون الدولي لا تمثل عائقاً لممارسة الاختصاص الجنائي أمام المحاكم الدولية، وأن أحكام الحصانة الشخصية تشكل عرفاً دولياً. على الرغم من أن محكمة العدل لم تحدد ما هي المحاكم الدولية وعلى أي أساس لا تنطبق الحصانات الشخصية أمامها (السؤال كان خارج نطاق القضية ولم يطلب من المحكمة الإجابة عنه)، إلى أنها ذكرت المحكمة الخاصة بيوغسلافيا السابقة والمحكمة الخاصة برواندا ومحكمة الجنايات الدولية كأمثلة على المحاكم الدولية التي تتمتع بسلطة محاكمة رؤساء الدول وغيرهم من مسؤولي الدولة. في نفس السياق خلصت محكمة الجنايات الدولية أيضاً أن هذه القاعدة تعتبر من القانون الدولي العرفي (قضية ملاوي المتعلقة بتسليم الرئيس السوداني السابق عمر البشير).

الحصانة الشخصية أمام المحاكم الأجنبية الوطنية

على عكس المحاكم الدولية، هناك حجج قانونية على أن رؤساء الدول ورؤساء الحكومات ووزراء الخارجية الذين مازالوا في مناصبهم يتمتعون بحصانة شخصية مطلقة من الملاحقة الجنائية أمام المحاكم الوطنية الأجنبية حتى في حال ارتكابهم انتهاكات جسيمة ضد القانون الجنائي الدولي مثل جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الإبادة. تم التأكيد على هذه الحصانة في العديد من الأحكام القضائية.

تعد قضية مذكرة التوقيف أمام محكمة العدل الدولية (الكونغو ضد بلجيكا) من أبرز القضايا التي يتم الإشارة لها عند الدفاع عن الحصانة الشخصية التي يتمتع بها رؤساء الدول أمام المحاكم الوطنية الأجنبية. في عام ١٩٩٩ عدلت بلجيكا تشريعها الوطني المتعلق بجرائم الحرب ليتوافق مع نظام روما الأساسي لمحكمة الجنايات الدولية الذي لا يعتبر المنصب الرسمي كسبب للحصانة. بالتالي لم تعد الحصانة المرتبطة بالصفة الرسمية للشخص تمنع محاكمة هذا الشخص أمام القضاء البلجيكي. أصدر قاضي تحقيق بلجيكي، بموجب هذا القانون، مذكرة اعتقال دولية بحق وزير خارجية جمهورية الكونغو بتهم تتعلق بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. تقدمت جمهورية الكونغو بطلب إلى محكمة العدل الدولية للاعتراض على أمر التوقيف الصادر عن القضاء البلجيكي بحجة أنه قد انتهك الحصانة الشخصية لوزير خارجيتها، بالإضافة إلى انتهاكه للمبدأ القانوني (par in parem non habet imperium) الذي يقضي بأنه ليس لدولة ذات سيادة أن تمارس ولايتها القضائية على دولة أخرى ذات سيادة. شكلت هذه القضية فرصة لمحكمة العدل لتعطي رأيها في الحصانة التي يتمتع بها مسؤولو الدول الذين مازالوا في مناصبهم بموجب القانون الدولي العرفي. في سبيل ذلك قامت المحكمة بتحليل الممارسات الدولية المتعلقة بالحصانة بما في ذلك أحكام المحاكم والتشريعات الوطنية لبعض الدول. خلصت المحكمة من حيث النتيجة إلى أن وزير خارجية الكونغو الذي كان في منصبه آنذاك يتمتع بحصانة حتى من التهم المتعلقة بجرائم دولية خطيرة. حيث لم تجد المحكمة في ممارسات الدول أن هناك استثناء في القانون الدولي العرفي من القاعدة التي تمنح الحصانة من الولاية القضائية الجنائية الأجنبية لوزراء الخارجية الذين ما زلوا في مناصبهم حين يشتبه في ارتكابهم جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية. وجدت محكمة العدل الدولية أيضأً أن مجرد إصدار القضاء البلجيكي لمذكرة توقيف بحق وزير الخارجية لجمهورية الكونغو الديمقراطية الذي مازال في منصبه ينتهك القواعد العرفية الدولية بشأن الحصانات الشخصية التي يتمتع بها الوزير، وأن بلجيكا انتهكت القانون الدولي المتعلق بالحصانات الشخصية بمجرد تعميم مذكرة التوقيف على المستوى الدولي بغض النظر عما إذا كانت قد اتخذت أي خطوات أخرى لمطالبة الدول بتنفيذها. على الرغم من أن هذه القضية ناقشت حصانة وزير الخارجية، إلا أن الممارسات القضائية اللاحقة والتعليقات القانونية على القضية تؤكد أن رأي محكمة العدل الدولية ينطبق أيضاً على رؤساء الدول ورؤساء الحكومات. من المهم الإشارة أن المحكمة وفي نفس القرار وضحت أن هنالك أربع حالات لا تنطبق فيها الحصانة الشخصية وبالتالي تجوز فيها الملاحقة الجنائية لمسؤولي الدول الرفيعين: (أ) يمكن محاكمة المسؤول أمام المحاكم الوطنية في بلده، (ب) إذا تنازلت دولة المسؤول عن الحق في الحصانة، (ج) يمكن محاكمة المسؤول عندما يترك منصبه، (د) يمكن محاكمة المسؤول أمام محكمة جنائية دولية.

أيضاً، على الصعيد الوطني تم التأكيد على الحصانة الشخصية المطلقة لرؤساء الدول من قبل العديد من المحاكم الوطنية. على سبيل المثال في قضية ضد فيديل كاسترو عام ١٩٩٨ أمام المحاكم الإسبانية بتهم تتعلق بالإبادة الجماعية والتعذيب والإرهاب، خلصت المحكمة العليا الوطنية في قرارها أن كاسترو كرئيس دولة في منصبه لديه حصانة مطلقة من الولاية الجنائية للمحاكم الأجنبية، حتى فيما يتعلق باتهامات بارتكاب جرائم دولية. أيضاً في عام ٢٠٠١ تم تقديم شكوى لمحكمة بلجيكية ضد أرييل شارون، رئيس الوزراء الإسرائيلي في ذلك الوقت، بتهم تتعلق بارتكاب جرائم الإبادة وجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب التي وقعت في بيروت في عام ١٩٨٢. خلصت محكمة النقض البلجيكية إلى أنه على الرغم من أن القانون البلجيكي المتعلق بالولاية القضائية العالمية لا يعترف بالصفة الرسمية كسبب للحصانة، إلا أن القانون البلجيكي سيتعارض مع القانون الدولي العرفي إذا تجاهل الحصانة التي يتمتع بها أرييل شارون، كرئيس وزراء في منصبه، ولذلك تم رفض القضية من قبل المحكمة. هنا لا بد من الإشارة إلى أن بلجيكا قامت في عام ٢٠٠٣ بتغيير تشريعاتها المتعلقة بجرائم الحرب واعترفت بشكل كامل بالحصانة الشخصية لرؤساء الدول ورؤساء الحكومات ووزراء الخارجية طوال فترة تواجدهم في مناصبهم. بالمثل، في القضية ضد رئيس زمبابوي موغابي ووزير خارجيتها مودينجي أمام المحاكم الأميركية نظرت المحكمة فيما إذا كان انتهاك حقوق الإنسان الأساسية التي ترقى إلى مرتبة القواعد الآمرة في القانون الدولي (Jus Cogens) يشكل استثناء من الحصانة الشخصية. بالنتيجة، رفضت المحكمة الدعوى وأيدت الحصانة الشخصية. وخلال هذه القضية تدخلت الحكومة الأميركية وقدمت مقترحاً للمحكمة يفيد بتمتع موغابي ومودينجي بحصانة رؤساء الدول. أيضاً من القضايا الهامة التي ناقشت الحصانة الشخصية المطلقة أمام المحاكم الوطنية هي قضية الرئيس التشيلي السابق بينوشيه أمام مجلس اللوردات البريطاني. على الرغم من أن هذه القضية تتعلق برئيس دولة سابق، إلا مجلس اللوردات البريطاني أشار أن قراره بعدم منح بينوشيه كرئيس سابق حصانة لا يؤثر على الحصانة الشخصية لرؤساء الدولة الذين مازالوا في مناصبهم.

لا بد من الإشارة إلى أن مسودة المواد المتعلقة بحصانة مسؤولي الدول من الولاية القضائية الجنائية الأجنبية التي اعتمدتها لجنة القانون الدولي في حزيران/يونيو ٢٠٢٢ أكدت بشكل صريح على الحصانة الشخصية المطلقة التي يتمتع بها رؤساء الدول، رؤساء الوزراء ووزراء الخارجية أمام المحاكم الوطنية الأجنبية وأنها تشمل جميع الأفعال الصادرة عنهم خلال تواجدهم في المنصب وقبل استلامهم للمنصب، سواء صدرت عنهم بالصفة الرسمية أم الخاصة (المواد ٣ و٤). في هذا السياق أكدت اللجنة الاستشارية لقضايا القانون الدولي العام في هولندا (CAVV) في رأي استشاري حول مسودة مواد الحصانة المذكورة صادر في حزيران/يونيو ٢٠٢٣ أن الحصانة الشخصية وفق المادة ٤ هي حصانة مطلقة تمتد لتشمل جميع الأفعال بما في ذلك تلك التي تعتبر جرائم بموجب القانون الدولي.

مذكرة توقيف رغم الحصانة الشخصية

واضح من موقف محكمة العدل الدولية والمحاكم الوطنية أن رؤساء الدول الذين مازالوا في مناصبهم يتمتعون بالحصانة الشخصية المطلقة أمام المحاكم الوطنية للدول الأجنبية حتى بالنسبة للجرائم الدولية الخطيرة. القضاة الفرنسيون بكل تأكيد على دراية بالحصانة الشخصية التي قد يتمتع بها بشار الأسد بموجب القانون الدولي وغالباً بحثوا في جميع الحجج التي تدعم وجود هذه الحصانة ومع ذلك مضوا قدماً وأصدروا مذكرة توقيف. وبالتالي من المرجح أنه يوجد حجج قانونية ويوجد في ظروف وملابسات هذه القضية ما يبرر التخلي عن الحصانة ومحاكمة بشار الأسد و قد تتمحور هذه الحجج بشكل خاص حول استخدام السلاح الكيماوي.
خطورة الجرم والعدد الكبير من الضحايا والمعاناة الجسدية والنفسية التي نتجت عنه ووجود أدلة قطعية على تورط بشار الأسد شخصياً في الهجمات الكيماوية والإجماع الدولي على ضرورة المحاسبة على الأرجح لعبت دوراً كبيراً في إصدار هذه المذكرة. استخدام الأسلحة الكيماوية محظور بشكل مطلق في القانون الدولي حيث يعود هذا الحظر إلى إعلان لاهاي عام ١٨٩٩ بشأن الغازات الخانقة ومن ثم بروتوكول جنيف لحظر الاستعمال الحربي للغازات الخانقة أو السامة أو ما شابهها ولوسائل الحرب البكتريولوجية عام ١٩٢٥ وصولاً إلى اتفاقية حظر الأسلحة الكيمياوية التي دخلت حيز التنفيذ عام ١٩٩٧وهي معاهدة تضم كل الدول العالم تقريباً (١٩٣ دولة طرف في الاتفاقية) وأكثر شمولاً من بروتوكول جنيف، حيث لا تحظر فقط استخدام الأسلحة الكيماوية وإنما أيضاً تطوير وإنتاج وتخزين ونقل الأسلحة الكيميائية وتتطلب تدميرها خلال فترة زمنية محددة.
أيضاً هناك إجماع كبير بين دول العالم على إدانة استخدام الأسلحة الكيماوية من قبل النظام السوري وضرورة محاسبة الأفراد المسؤولين. أدى استخدام الأسلحة الكيمياوية من قبل النظام السوري إلى تصويت غير مسبوق على تعليق حقوق وامتيازات التصويت لسوريا في منظمة حظر الأسلحة الكيماوية في عام ٢٠٢١، وهي مبادرة رعتها ٤٦ دولة وصوتت لصالحها ٨٧ دولة وعارضتها ١٥ دولة فقط. أيضاً تبنى مجلس الأمن عدة قرارات تؤكد أن استخدام الأسلحة الكيماوية في سوريا يشكل انتهاكاً خطيراً للقانون الدولي وأنه لا بد من محاسبة جميع الأفراد المسؤولين عن استخدام الأسلحة الكيماوية في سوريا (القرارات ٢١١٨/٢٠١٣، ٢٢٠٩/٢٠١٥، ٢٣١٤/٢٠١٦، ٢٣١٩/٢٠١٦). في نفس السياق تبنت الجمعية العامة العديد من القرارات التي تؤكد على ضرورة محاسبة جميع المسؤولين عن استخدام الأسلحة الكيماوية في سوريا (القرارات ٨٦/١٨٢/٢٠١٣، ٧٠/٤١/٢٠١٥، ٧١/٦٩/٢٠١٦، ٧٢/٤٣/٢٠١٧، ٧٣/٤٥/٢٠١٨، ٧٤/٤٠/٢٠١٩، ٧٤/١٦٩/٢٠١٩، ٧٥/٥٥/٢٠٢٠، ٧٥/١٩٣/٢٠٢٠). رغم كل هذه القرارات لم تجرِ أي محاسبة قضائية حتى الآن.
حجة أخرى من الممكن أن القضاة في فرنسا استندوا إليها لرفض إثارة الحصانة، هي قضية بينوشيه أمام مجلس اللوردات البريطاني. كانت إحدى الحجج التي تقدم بها أحد اللوردات (اللورد Hope) لعدم منح بينوشيه الحصانة هو أنه لا يجوز لدولة موقعة على اتفاقية التعذيب أن تثير موضوع الحصانة أمام محاكم دولة أخرى طرف في المعاهدة في حالة وجود ادعاءات بالتعذيب المنهجي أو واسع النطاق ضد مسؤوليها أو أي شخص آخر يتصرف بصفة رسمية. صحيح أن هذه القضية ناقشت الحصانة الوظيفية لرئيس دولة سابق متهم بارتكاب التعذيب إلا أن هذه الحجة قد تكون ذات صلة في القضية الحالية. سوريا طرف في اتفاقية حظر الأسلحة الكيماوية وبالتالي من المقبول القول أنه لا يجوز لها أن تتحجج بوجود الحصانة في حال وجود ادعاءات تتعلق باستخدام الأسلحة الكيماوية أمام محاكم دولة أخرى طرف في الاتفاقية.

لا بد من الإشارة أن قرار قضاة التحقيق في فرنسا بتجاوز الحصانة الشخصية وإصدار مذكرة التوقيف ليس قطعياً، ونظرياً من الممكن الطعن بالمذكرة أمام القضاء الفرنسي من قبل المدعي العام أو من الدفاع (في حال تم توكيل محامٍ لتمثيل عن بشار الأسد) وإثارة موضوع الحصانة الشخصية لبشار الأسد، وعندها على القضاء الفرنسي أن يبت فيما إذا كان بشار الأسد يتمتع بالحصانة الشخصية أم لا قبل النظر في موضوع الادعاء. كذلك من الناحية القانونية، يمكن للدولة السورية اللجوء إلى محكمة العدل الدولية للاعتراض على مذكرة التوقيف الفرنسية على غرار الدعوى التي تقدمت بها الكونغو ضد بلجيكا، أو للاعتراض على أي قرار لاحق يصدر عن القضاء الفرنسي في حال تقرر المضي بالدعوى وأن بشار الأسد لا يتمتع بالحصانة الشخصية أمام المحاكم الوطنية الفرنسية. لذلك ستكون هذه القضية فرصة حقيقية ليس فقط أمام القضاء الفرنسي وإنما أمام دول العالم لإعادة النظر في قواعد الحصانة الشخصية عن الجرائم الدولية الخطيرة وتحقيق العدالة لضحايا هذه الجرائم. بغض النظر عن النتيجة، فإن أي اعتراض أو نقاش قانوني حول موضوع الحصانة أمام المحاكم الدولية أو المحلية سيطرح أمام هذه المحاكم الأدلة الكثيرة حول تورط بشار الأسد في جرائم الكيماوي، وبالتالي فإن حتى التحديات قد التي تشكلها مسألة الحصانة سيكون لها فوائد كبيرة في جهود المناصرة في وقت تحاول فيه بعض الدول التغاضي عن الجرائم في سوريا والتطبيع مع النظام، وهو ما يضيف أيضاً إلى أهمية هذه المذكرة.

أخيراً لا بد من الإشارة أن هناك قضية تم فيها رفض منح الحصانة الشخصية لرئيس دولة من قبل محكمة وطنية، وهي قضية رفعت في الولايات المتحدة الأميركية عام ١٩٩٠ ضد الجنرال مانويل نورييغا رئيس بنما في ذلك الوقت. وهي قضية لا تتعلق بجرائم دولية خطيرة، وإنما بتهم تتعلق بالاتجار بالمخدرات. بنتيجة هذه القضية تم إدانة نورييغا وحُكم عليه بالسجن. لم تستند هذه القضية إلى أن رئيس الدولة الذي مازال في منصبه ليس له الحق في التمسك بالحصانة الشخصية وإنما لم يتم منح الحصانة على أساس أن الحكومة الأمريكية لم تعترف بنورييغا أبداً كرئيس دولة. في الوقت الحالي الولايات المتحدة الأميركية هي الدولة الوحيدة التي تعطي لنفسها الحق في إخضاع مسؤولي الدول لولايتها القضائية على الرغم من أنها ما زالت تعترف بالحصانة الشخصية. حيث يتضمن قانون الحصانات السيادية الأجنبية الأميركي (Foreign Sovereign Immunities Act of 1976) – بموجب تعديل تم اعتماده في عام ١٩٦٦(Flatow Amendment) – بعض الاستثناءات لمبدأ الحصانة. حسب هذا التعديل يمكن مطالبة دولة أجنبية بتعويضات مالية أمام القضاء الأميركي عن الإصابات الشخصية أو الوفاة الناجمة عن أعمال التعذيب، أو القتل خارج القضاء أو تخريب الطائرات أو أخذ الرهائن أو توفير الدعم المادي أو الموارد لمثل هذا العمل في حال تم تصنيف الدولة الأجنبية من قبل الولايات المتحدة كدولة راعية للإرهاب. صحيح أنه لا يمكن القياس على الوضع في الولايات المتحدة الأميركية لتبرير رفع الحصانة الشخصية، إلا أن التوجه الأميركي يؤكد أنه من الممكن أن تقوم الدول بإعادة النظر في مسألة الحصانة الشخصية للرؤساء في حالات معينة، قد يكون ارتكاب الجرائم الدولية بما فيها لاستخدام الأسلحة الكيماوية إحدى هذه الحالات في المستقبل.

خاتمة

يستعرض هذا المقال الحجج القانونية التي قد تبرر منح الحصانة الشخصية لبشار الأسد والتي يمكن أن تثيرها بعض الدول للامتناع عن تنفيذ المذكرة الفرنسية. في نفس الوقت يجادل المقال بأن هناك حجج قوية استند إليها القضاة في فرنسا لتجاوز الحصانة كخطورة الجريمة والإجماع الدولي على ضرورة المحاسبة على استخدام السلاح الكمياوي في سوريا والأدلة القوية على تورط بشار الأسد في الجريمة. قد يكون من مصلحة بعض الدول التمسك بموضوع الحصانة الشخصية المطلقة لمسؤولي الدول أمام المحاكم الوطنية الأجنبية ومعارضة تنفيذ مذكرة التوقيف بحق بشار الأسد، لأن التنازل عن الحصانة الشخصية والقبول بولاية القضاء الوطني الأجنبي قد يشكل سابقة تفسح المجال أمام العديد من المحاكمات ضد مسؤولين مازالوا في مناصبهم، إلا أنه في المقابل سيكون هناك دول أخرى تدعم هذه المذكرة وتؤيد رفع الحصانة عن رؤساء الدول في حال ارتكابهم جرائم خطيرة ضد القانون الدولي. جهود المناصرة التي تقوم بها منظمات المجتمع المدني السوري ومجموعات الضحايا قد تلعب دوراً كبيراً في حث الدول على إصدار بيانات واتخاذ مواقف رسمية تؤكد دعمهم للمذكرة وتأييدهم لضرورة رفع الحصانة الشخصية في حالة الجرائم الدولية الخطيرة، وهذا ما قد يكون بداية لممارسة جديدة في القانون الدولي قد تشكل استثناءً لمبدأ الحصانة المطلقة لرؤساء الدول.

أخيراً، بغض النظر عن النقاش حول مدى إلزامية هذه المذكرة بالنسبة لباقي دول العالم لا يمكن أبداً التقليل من أهميتها أو أهمية المحاكمات التي جرت وتجري في أوروبا وفقاً للولاية القضائية العالمية ضد مرتكبي الجرائم الدولية في سوريا. وفرت الولاية القضائية العالمية، وما زالت، آلية مهمة لمحاسبة الجناة ومكافحة الإفلات من العقاب في ظل عدم وجود محكمة دولية ذات اختصاص للنظر في الجرائم الدولية المرتكبة في سوريا، وساهمت وتساهم في مواجهة جهود التطبيع التي يقودها النظام لإعادة تعويم نفسه. هذه المذكرة ما كانت لتصدر لولا الجهود الكبيرة التي قامت بها المنظمات السورية وروابط الضحايا والأدلة القوية التي قدمتها حول تورط بشار الأسد بشكل مباشر في هجمات الكيماوي وهي صادرة عن جهة قضائية مستقلة، وليس سياسية، وبناء على حجج قانونية وبالتالي أثرها سيكون كبير في مواجهة جهود التطبيع وإعادة بعض الدول لعلاقاتها مع بشار الأسد، الذي سينظر له كمجرم “يختبئ” وراء الحصانة.

لتحميل التقرير

أعضاء من المجتمع المدني السوري يلتقون مع مسؤولين رفيعي المستوى، بما في ذلك الرئيس فولوديمير زيلينسكي، وفاعلين مفتاحيين أوكرانيين، في كييف، لإحياء الذكرى العاشرة لمجزرة الأسلحة الكيميائية في سوريا

اغسطس 25, 2023    |   مشاهدات [jp_post_view]   |   تحميل كملف PDF   |   هذا المنشور متوفر أيضاً باللغة: الإنجليزية

تزامناً مع الذكرى العاشرة للهجمات الكيميائية عام 2013 على الغوطة في سوريا، وفي إطار الدعوة إلى المساءلة عن جرائم الحرب المستمرة في أوكرانيا، والتي شجعها الإفلات من العقاب على الجرائم الماضية والمستمرة في سوريا، قام وفد من المجتمع المدني السوري بزيارة كييف لحضور سلسلة من الاجتماعات الرسمية مع مسؤولين رفيعي المستوى وقياديين من المجتمع المدني الأوكراني، اختتمت بالمشاركة في القمة الثالثة لمنصة القرم والحديث مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي.

قام أعضاء الوفد بعدة نشاطات ضمن الزيارة، أهمها:

⦁ حضور القمة الثالثة لمنصة القرم، حيث يجتمع ممثلو الدول من جميع أنحاء العالم، بما في ذلك رؤساء الدول، لمشاركة رسائل التضامن مع أوكرانيا. التقى ممثلون عن الوفد السوري مع الرئيس زيلينسكي أثناء انعقاد القمة، حيث نقلوا رسالة تضامن من أجل مكافحة الإفلات من العقاب في أوكرانيا وسوريا، مؤكدين أن شعب سوريا الحر يقف ضد الجرائم المرتكبة في أوكرانيا ومع شعبها، بما يتعارض مع موقف النظام السوري الداعم لروسيا. وقدم الوفد للرئيس زيلينسكي هديتين، إحداهما ترمز إلى التهجير القسري واستخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا باستخدام ألوان العلم الأوكراني، تم صنعها يدويًا داخل سوريا من قبل الفنان المهجر والناجي من الأسلحة الكيميائية أكرم أبو الفوز، والأخرى عبارة عن خوذة متطوع من متطوعي الخوذ البيضاء استشهد في سوريا، وذلك تعبيراً عن تضحيات الأبطال السوريين والسوريات في مواجهة جرائم النظام السوري وحليفه الروسي.

⦁ عقد لقاء رسمي مع المدعي العام الأوكراني أندريه كوستين وفريقه المسؤول عن ملفات جرائم الحرب المختلفة والتعاون الدولي والضحايا. ألقى السيد كوستين مداخلة رسمية أكد من خلالها تضامنه مع السوريين، مشيراً للجرائم التي ارتكبت بحقهم من قبل النظام السوري وحليفه الروسي بما في ذلك باستخدام السلاح الكيميائي. وتبادل جميع أعضاء الوفد السوري رسائلهم مع السيد كوستين، معربين عن تضامنهم الثابت مع أوكرانيا في كفاحها ضد الإفلات من العقاب على الجرائم التي ارتكبتها روسيا، من خلال إظهار ميل روسيا إلى ارتكاب مثل هذه الجرائم كسياسة تستخدم أفعالها في سوريا كدليل دامغ. ونوقشت أساليب التعاون التي تخدم الملفين السوري والأوكراني على المستوى التقني والسياسي، كما قدم الوفد للسيد كوستين هدية رمزية من داخل سوريا.

⦁ لقاء تاميلا تاشيفا، الممثلة الدائمة لرئيس أوكرانيا في جمهورية القرم ذات بالحكم الذاتي في أوكرانيا، وماريا توماك، رئيسة إدارة منصة القرم. جدد اللقاء التأكيد على التضامن بين الشعبين والدعوة إلى التحرر من الأنظمة الاستبدادية.

⦁ لقاء أولكساندرا ماتفيتشوك رئيسة مركز الحريات المدنية الحائز على جائزة نوبل لعام 2022، ونقاش دور مؤسسات المجتمع المدني في تحقيق العدالة والمساءلة لكلا البلدين.

⦁ زيارة النصب التذكاري لمجزرة بوتشا التي ارتكبها الجيش الروسي في شباط ٢٠٢٢ والتي أدت إلى مقتل نحو ٤٥٨ مدنياً. التقى الوفد بالأب آندريه مسؤول كنيسة بوتشا التي تضم النصب، وشاركه التعزية بضحايا المجزرة، كما أعرب الأب أندريه عن امتنانه للزيارة، مذكراً بأن السوريين يعلمون الكثير عما ما يمر به الأوكرانيون اليوم من خلال ما عايشوه ولا زالوا يعايشونه من انتهاكات.

⦁ زيارة مستشفى ماريوبول الذي تم نقله إلى كييف بعد تدمييره، حيث نجا الطاقم الطبي في هذا المستشفى بأعجوبة من الهجوم الممنهج عليه أثناء اقتحام ماريوبول من قبل القوات الجوية والبرية الروسية. وكنوع من المقاومة، تم إعادة إنشاء هذا المستشفى في كييف إلى أن يتمكن كادره من العودة إلى ديارهم. شكلت الزيارة وقفة تضامن ضمت الأطباء وأعضاء الكادر الطبي ضمن مستشفى ماريوبول مع ممثلي الوفد السوري من الكوادر الطبية الذين تعرضوا لنفس السياسة الروسية الممنهجة في استهداف المشافي، لإرسال رسالة واضحة حول ضرورة وقف استهداف المستشفيات ومحاسبة المسؤولين عن ذلك.

⦁ لقاء روابط أهالي المختفين قسرياً والسجناء السياسيين المختطفين والمعتقلين من قبل روسيا. تم خلال اللقاء تبادل التضامن واستعراض التجارب الشخصية والدروس المستفادة من سوريا وأوكرانيا كأساس لحملة تضامن مشتركة تطالب بالعدالة لجميع المعتقلين السياسيين حول العالم.

⦁ لقاء الصحفية الأوكرانية الرائدة والحائزة على عدة جوائز، ناتاليا جومينيوك، التي غطت في السابق أحداث الربيع العربي، بما في ذلك سقوط حلب. تبادل الوفد وجهات النظر حول بناء التضامن العام بين السوريين والأوكرانيين. كما قدم للسيدة جومينيوك عربون تقدير من سوريا لجهودها في دعم الرحلة.

⦁ زيارة ميدان الاستقلال في كييف، والذي كان موقعًا رئيسيًا لمقاومة أوكرانيا ضد الأنظمة الاستبدادية السابقة. وجدد الوفد التزامه بمواصلة النضال من أجل بناء سوريا ديمقراطية تقوم على سيادة القانون وحقوق الإنسان.
حول الزيارة، قال رائد الصالح، رئيس منظمة الخوذ البيضاء: “دأبت روسيا منذ تدخلها في سوريا لدعم نظام الأسد، على استهداف البنى التحتية والعاملين في المجال الإنساني وانتهاك قواعد القانون الدولي الإنساني وتطبيق سياسة العقاب الجماعي وتدمير المدن ومحاصرتها، واتباع سياسة التضليل الإعلامي، وهي تطبق هذه التكتيكات الوحشية في أوكرانيا الآن، نحن بحاجة لتحقيق العدالة والسعي إليها بإصرار حتى لا يشعر أي دكتاتور أو بلد أن لديه الضوء الأخضر لارتكاب الفظائع والانتهاكات والإفلات من العقاب.”

وقال ثائر حجازي، المدافع عن حقوق الإنسان الذي نجا ووثق الهجمات الكيميائية في سوريا: “منذ عشر سنوات، كنت أحد المستجيبين للهجوم الكيميائي للنظام السوري المدعوم روسياً في الغوطة، كما عملت على توثيق الأدلة حوله. اليوم، أنا هنا لدعم الجهود الحاسمة التي يبذلها زملاؤنا الأوكرانيون في محاسبة روسيا على جرائم الحرب المستمرة التي ترتكبها.”

مخرجة الأفلام السورية الحائزة على جوائز، وعد الخطيب، التي شاركت في الزيارة قالت: “لقد قمت بتوثيق الهجمات على المستشفيات والعاملين في المجال الصحي، والتي كانت جزءً من استراتيجية عسكرية روسية في سوريا لتدمير قدرة المجتمع بأكمله على الصمود؛ ويتم استخدام نفس الإستراتيجية بشكل متكرر في أوكرانيا اليوم. نحن هنا لنثبت أنهم لم ينتصروا في كسر إرادتنا، ولن يفعلوا ذلك. نحن هنا لمواصلة النضال من أجل العدالة والمساءلة.”

وقال فضل عبد الغني، رئيس الشبكة السورية لحقوق الإنسان: “في هذه الزيارة، سلمت قائمة بأكثر من سبعة آلاف من الضحايا السوريين الذين قتلوا على يد الجيش الروسي. نحن هنا لتكريمهم وتكريم جميع الضحايا الأوكرانيين من خلال دعمنا للأوكرانيين في جهود المساءلة ضد جرائم الحرب الروسية. إن محاسبة الجناة تتطلب منا توحيد الجهود من أجل العدالة.”

وقالت عفراء هاشم، الناشطة في حملة سوريا والمهجرة قسراً من شرق حلب: “أنا مدافعة عن حقوق الإنسان، تم تهجيري مع أطفالي الثلاثة قسراً على يد النظام السوري وحلفائه الروس. هذه الجريمة، التي لن أنسى عواقبها أبدًا، قدمتها روسيا على أنها عملية إجلاء إنساني، في حين أنها كانت في الواقع إحدى تكتيكاتها الحربية للسيطرة على مدينتي. أنا هنا لدعم العائلات الأوكرانية في كفاحهم من أجل الوصول إلى العدالة والعيش بأمان في منازلهم.”

نسقت هذه الزيارة بمبادرة وتنظيم وتمويل سوري. وقد نظمتها كل من مدنية والمجلس السوري البريطاني، وذلك بمبادرة من المحامي السوري البريطاني ابراهيم العلبي، وبدعم كل من الخوذ البيضاء، والشبكة السورية لحقوق الإنسان، والبرنامج السوري للتطوير القانوني، والتحالف الأميركي من أجل سوريا، والجمعية الطبية السورية البريطانية، ومنظمة أكشن فور سما، وحملة من أجل سوريا، ورابطة ضحايا الأسلحة الكيميائية في سوريا، وحملة لا تخنقوا الحقيقة. وقد تم تسهيل ذلك من خلال الدعم الكريم الذي قدمه مكتب المراسم البروتوكولية التابع للمدعي العام في أوكرانيا، وبمساعدة مؤسسة ذي ريكونينج بروجيكت.

النهاية
أسماء الوفد أدناه

⦁ آمنة خولاني: مدافعة عن حقوق الإنسان، نائبة رئيس مجلس إدارة مدنية، ومؤسسة مشاركة لحركة عائلات من أجل الحرية. تلقت جائزة المرأة الشجاعة الدولية من الإدارة الأميركية.

⦁ إبراهيم علبي (رئيس الوفد): رئيس مجلس إدارة البرنامج السوري للتطوير القانوني وعضو مجلس إدارة مدنية والمجلس السوري البريطاني. هو المستشار القانوني لمؤسسة ذي ريكونينج بروجكت ومحامي مع غارنيكا ٣٧.

⦁ ثائر حجازي: مدافع عن حقوق الإنسان حاصل على جائزة ماريان للمدافعين عن الحقوق الإنسان من قبل الرئيس الفرنسي. نجا من ضربات غاز السارين عام ٢٠١٣ وغاز الكلور عام ٢٠١٨ على الغوطة، ووثق الأدلة حولهما كما شارك بتأسيس رابطة ضحايا الأسلحة الكيميائية في سوريا.

⦁ رائد الصالح: رئيس الدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء)؛ وهي مؤسسة إنسانية تكرس عملها في مساعدة المجتمعات في سوريا، تضم أكثر من ثلاثة آلاف متطوع ومتطوعة يعملون لإنقاذ المدنيين وخدمتهم ومساعدتهم على الاستقرار والسعي لتحقيق العدالة لهم.

⦁ زكي لبابيدي: رئيس العلاقات الدولية في المجلس السوري الأميركي، وهي أكبر مؤسسة قاعدية في الولايات المتحدة الأميركية، وعضو مجلس إدارة التحالف الأميركي من أجل سوريا، وهو يقود عمل المؤسسة مع شركائها ونظرائها الدوليين.

⦁ سليم نمور: جراح مهجر من الغوطة الشرقية، نجى ووثق مجازر الأسلحة الكيميائية فيها. هو رئيس رابطة ضحايا الأسلحة الكيميائية في سوريا، أسس مشفى الكهف، والمكتب الطبي الموحد في الغوطة

⦁ سوسن أبو زين الدين: المديرة التنفيذية لمدنية، وهي مظلة تجمع أكثر من مئتي مؤسسة مدنية سورية تعمل عبر القطاعات والجغرافيات المختلفة داحل وخارج سوريا للمطالبة بالأحقية السياسية للفضاء المدني السوري.

⦁ عبد الكريم اقزيز: خبير في الأنظمة الصحية والأمن الصحي في جامعة كينجز كوليدج لندن. وهو أمين سر الجمعية الطبية السورية البريطانية ونائب رئيس الشبكة السورية للصحة العامة. أسس بعض المستشفيات الميدانية الأولى في شمال سوريا حيث كان شاهدا على الهجمات المباشرة على المستشفيات.

⦁ عفراء هاشم: ناشطة ومدافعة عن حقوق الإنسان، تعمل ضمن مجموعة الحقوق ضمن حملة من أجل سوريا، وهي عضوة مجلس إدارة في حملة لا تخنقوا الحقيقة التي تسعى لمناهضة إنكار مجازر السلاح الكيميائي في سوريا.
⦁ فضل عبد الغني: رئيس الشبكة السورية لحقوق الإنسان التي وثقت تقاريرها انتهاكات القوات الروسية في سوريا، واستخدمت كمرجعية في عمل العديد من الجهات الدولية.

⦁ مازن غريبة: المدير التنفيذي للمجلس السوري البريطاني، باحث في كلية لندن للاقتصاد، وممثل عن المجتمع المدني ضمن اللجنة الدستورية.

⦁ هيثم الحموي: رئيس إدارة المجلس السوري البريطاني، وهو مؤسسة سورية بريطانية تعمل كلوبي سياسي مع الحكومة البريطانية وحكومات أخرى من أجل تحقيق العدالة والديقراطية في سوريا بما في ذلك من خلال تسليط الضوء على جرائم الحرب التي ترتكبها روسيا في سوريا.

⦁ وعد الخطيب: مخرجة سورية وصانعة أفلام، حاز فيلمها الأول من أجل سما على الكثير من الإشادة من النقاد في جميع أنحاء العالم، وفاز بالعديد من الجوائز، بما في ذلك أفضل فيلم وثائقي في جوائز البافتا وترشيح لأفضل وثائقي في حفل توزيع جوائز الأوسكار لعام ٢٠٢٠. تم إدراج اسمها في قائمة التايم ١٠٠ لعام ٢٠٢٠ لأكثر الأشخاص تأثيرًا.

بشار الأسد: قم بإنهاء برامج العقوبات السورية

نحن المنظمات السورية، داخل سوريا وخارجها، والموقعة أدناه، نطالب بشار الأسد بالتحرك الفوري لإنهاء برامج العقوبات السورية. يمتلك الأسد مفاتيح رفع العقوبات إن انخرط في عملية سياسية حقيقية وفقاً للأطر الدولية المتفق عليها في قرار مجلس الأمن 2254، وتوقف عن انتهاك حقوق الإنسان وخضع لمتطلبات العدالة الحقيقية

أسئلة وأجوبة حول توجه هولندا إلى محكمة العدل الدولية

ورد البرنامج السوري للتطوير القانوني في الآونة الأخيرة العديد من الأسئلة و الاستفسارات حول التفاصيل و التبعات القانونية للخطوة الهولندية تجاه سوريا، لذلك أعدّ فريق الدعم بالقانون الدولي مجموعة من الأسئلة الأكثر شيوعاً مع الأجوبة القانونية المناسبة لها لتكون بمثابة دليل و مرجع عند الإجابة عن أي سؤال.

 

يمكنكم مشاهدة الفيديو على قناة اليوتيوب عبر الرابط أدناه لسهولة المتابعة والمشاركة، و الوصول الى أيّ من الأسئلة عبر الضغط على الأوقات ذات الصلة في صندوق الوصف.
https://youtu.be/QvL0-ALa8_c

لتحميل التقرير

لمحة مختصرة عن بعض أنظمة العقوبات المفروضة على سوريا

العقوبات الدولية هي تدابير تقييدية تفرضها المنظمات الدولية )كالأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي( أو الدول ضد دول أخرى أو جهات غير حكومية أو أفراد يشكل سلوكهم أو سياساتهم انتهاكاً للقانون الدولي وحقوق الإنسان أو تهديداً للسلم والأمن العالمي أو الإقليمي، وذلك بهدف التأثير على سلوك أو سياسات هذه الدول أو الجهات أو الأفراد وإقناعهم بوقف الانتهاكات التي تهدد السلم أو الأمن.

 

منذ عام ٢٠١١ تم فرض العديد من العقوبات الدولية على السلطات السورية كرد على الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي ارتكبتها الحكومة السورية والكيانات والأفراد المرتبطين بها. وقد شملت هذه العقوبات بشكل عام، العقوبات المالية (مثل تجميد الأموال والأصول وحظر التمويل)، عقوبات الاقتصادية (مثل القيود المفروضة على استيراد أو تصدير سلع وخدمات معينة، كالعقوبات المفروضة على المنتجات النفطية السورية)، العقوبات المتعلقة بحركة الأشخاص (مثل فرض حظر سفر على العديد من المسؤولين ورجال الأعمال السوريين ومنعهم من دخول العديد من الدول)، وأخيراً العقوبات الدبلوماسية (كقيام العديد من الدول بقطع علاقاتها الدبلوماسية مع سوريا). وقد تم فرض هذه العقوبات من قبل منظمات دولية كالاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية أو بشكل فردي من قبل بعض الدول كالولايات المتحدة الأمريكية وكندا واستراليا.

 

تهدف هذه الورقة إلى إعطاء لمحة موجزة عن العقوبات المفروضة على السلطات السورية والأنظمة القانونية التي تحكم هذه العقوبات مع التركيز علـى العقوبات المفروضة من قبل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، بما في ذلك (القسم الثاني والثالث) كونها العقوبات الأكثر شمولاً وتأثيراً. سوف تتضمن هذه الورقة أيضاً لمحة عن أنظمة العقوبات التي تفرضها الأمم المتحدة (القسم الأول)، فعلى الرغم من أن الأمم المتحدة لم تفرض أي عقوبات على السلطات السورية حتى تاريخه، بسبب معارضة روسيا والصين في مجلس الأمن واستخدامهم لحق الفيتو ضد فرض أي عقوبات، إلا أن الأمم المتحدة فرضت عقوبات على جهات وأفراد موجودين في سوريا كالعقوبات المفروضة على تنظيم الدولة الإسلامية وتنظيم القاعدة والجهات والأشخاص المرتبطين بهم. أخيراً، سوف تستعرض هذه الورقة بشكل مختصر بعض العقوبات المفروضة بشكل إفرادي من قبل بعض الدول، مثل كندا وأستراليا (الملحق الأول)، وكذلك قانون قيصر الذي صدر مؤخراً في الولايات المتحدة الأمريكية (الملحق الثاني).

لتحميل التقرير

مشاركة البرنامج في حلقتي نقاش في ” منتدى الأمم المتحدة المعني بالأعمال التجارية وحقوق الإنسان”

شاركت وحدة حقوق الإنسان والأعمال التابعة للبرنامج السوري للتطوير القانوني في “منتدى الأمم المتحدة المعني بالأعمال التجارية وحقوق الإنسان” في نوفمبر 2019 في جنيف، بتوجيه وإدارة مجموعة العمل المعنية بالأعمال التجارية وحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، وبتنظيم من أمانتها لدى مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان.

ويعتبر المنتدى السنوي منصة عالمية لجرد الجهود المبذولة ومشاركة الدروس بشأن نقل مبادئ الأمم المتحدة حول الأعمال وحقوق الإنسان من المفهوم النظري إلى التنفيذ.

وقد شاركت رئيسة وحدة حقوق الإنسان والأعمال لدى البرنامج السوري للتطوير القانوني، نور حمادة، كمناظرة في جلستي نقاش.

الجلسة الأولى كانت بعنوان” تنظيم الأعمال التجارية في إطار النزاع والاحتلال: الإجراءات الإضافية اللازمة” وبتنظيم من مشروع أسيكس للأعمال وحقوق الإنسان وبالتعاون مع منظمة الحق، غرين ادفوكاتس، نوريجين بيبولز ايد، سويدواتش، والبرنامج السوري للتطوير القانوني. وقد عرضت الجلسة المخاطر الخاصة التي تتسبب بها الأعمال التجارية العاملة في المناطق المتأثرة بالنزاع، وإمكانية الدول والأعمال التجارية في معالجة هذه المخاطر بشكل صحيح واستباقي.

وقد حدد المشاركون أفضل الممارسات في مثل هذه الحالات وناقشوا صعوبة موازنة الحقوق في مثل هذه الحالات وبينوا المخاطر التي ينبغي على الدول والأعمال التجارية معرفتها وإدراكها. كما ناقشوا بتوسع الحاجة إلى سبل انصاف الأشخاص والمجتمعات المتأثرة بالأنشطة التجارية في حالات النزاع المسلح.

وقدمت نور حمادة عرضا حول العديد من المخاطر الخاصة بالأعمال التجارية وحقوق الإنسان الموجودة في الإطار السوري، بما في ذلك تلك المتعلقة بتوفير المساعدات الإنسانية وإعادة الإعمار. وركزت حمادة كذلك على مجموعة من العوامل التي ينبغي للفاعلين في مجال الأعمال التجارية الانتباه لها عند المشاركة في الإطار السوري، بما في ذلك المراقبة المستمرة لظروف النزاع ومعرفة اللاعبين والممولين.

يمكنكم قراءة المزيد حول هذه الحلقة هنا: http://bit.ly/2QRBIbT

أما الجلسة الثانية بعنوان:” الحوار الإقليمي: الدروس المستفادة، التحديات (دول الموطن والاستثمار المسؤول فيما بعد النزاع)” والتي نظمت من قبل مجموعة العمل المعنية بالأعمال التجارية وحقوق الإنسان. وركزت هذه الجلسة على دور دول الموطن في التشجيع على الاستثمار المسؤول والأعمال التجارية المسؤولة في إطار ما بعد النزاع وإعادة الإعمار بالإضافة إلى الاعتبارات للظروف الهشة بشكل أعم.

وناقش المشاركون طرقا مختلفة لضمان مساهمة الاستثمارات في بناء السلام والتنمية في أطر ما بعد النزاع وإعادة الإعمار كما هو الحال في سوريا وما هو دور دول الموطن في ذلك.

وقد قدمت نور حمادة خلال هذه الجلسة توصيات لدول الموطن بشأن دورهم في التشجيع على الاستثمار المسؤول في إعادة إعمار سوريا بما في ذلك:

– وضع التنظيمات والتوجيهات اللازمة لتنظيم أنشطة أعمالهم في مجال إعادة البناء.

– إلزام الجهات الفاعلة في المجال الإنساني والجهات الفاعلة في الأمم المتحدة التي تمولها بالالتزام بالحد الأدنى من بذل العناية الواجبة في مجال حقوق الإنسان.

– تناول السياسة الخارجية بشأن إعادة الإعمار من منظور قائم على حقوق الإنسان والمساءلة، بما في ذلك استخدام نظم العقوبات كتدبير مؤقت للمساءلة.

لمزيد من المعلومات حول الجلسة يمكنكم الضغط على الرابط التالي: http://bit.ly/2uqZfJk

وتأتي مشاركة البرنامج السوري للتطوير القانوني في المنتدى كجزء من أعمال المناصرة المستمرة مع عدد من أصحاب المصلحة المعنيين بشؤون حقوق الإنسان والأعمال في الإطار السوري.

للمزيد عن منتدى الأمم المتحدة المعني بالأعمال التجارية وحقوق الإنسان يرجى زيارة الرابط التالي: http://bit.ly/305nTLm

للمزيد عن وحدة حقوق الإنسان والأعمال يرجى زيارة الرابط التالي: https://sldp.ngo/ar/blog/412

التعديلات الواردة على القانون رقم ١٠ لعام ٢٠١٨ والمرسوم التشريعي رقم ٦٦ لعام ٢٠١٢ في سوريا

مشاهدات
أصدر الرئيس السوري بشار الأسد يوم الأحد الموافق ١١/١١/٢٠١٨ القانون رقم ٤٢ لعام ٢٠١٨ القاضي بتعديل بعض مواد القانون رقم ١٠ لعام ٢٠١٨ وبعض مواد المرسوم التشريعي رقم ٦٦ لعام ٢٠١٢. هذان القانونان اللذان أحدثا جدلاً دولياً واسعاً تمثل مؤخراً بقيام بعض الدول بتقديم شكاوى إلى مجلس الأمن ضد القانون رقم ١٠ باعتبار أنه يشكل عائقاً لعودة اللاجئين السوريين. صدرت هذه التعديلات حتى قبل أن يتم تطبيق القانون ١٠ على أرض الواقع، مما يؤكد أن هذه التعديلات كانت نتيجة للضغوطات الدولية التي مورست على الحكومة السورية.

لا بد من الإشارة إلى إن صدور هذا القانون يُبطل مزاعم المسؤولين الروس الذين أبلغوا الأمم المتحدة بتراجع الحكومة السورية عن القانون رقم ١٠. فبالإضافة إلى أن القوانين لا يتم إلغاؤها أو تعديلها بتصريحات سياسية، فإنّ الواقع يثبت دوماً أنّ كل ما تقوم به الحكومة السرية، لا يعدو كونه مجرّد دعاية إعلاميّة هدفها تغيير سياسات المقاطعة الدولية له، وجرّ الدول المانحة للمساهمة في إعادة إعمار ما هدّمته آلة الحرب المسؤول عنها.

فعلى الرغم من أن المرسوم الجديد قد عدل مهلة التقدم بتصاريح الملكية المنصوص عليها في القانون رقم ١٠ وجعلها سنة ميلادية كاملة، إلا إنه لم يتضمن أي تعديلات على الأحكام التي تسمح للوحدة الإدارية بالاقتطاع المجاني من الأراضي (المادة ٢ الفقرة ١١) أو الألية القسرية التي حددها القانون للتصرف بملكية الأسهم من قبل المالكين وفق خيارات ومدد محددة سلفاً (المادة ٢ الفقرة ١٧)، وكذلك لم يعالج التعديل القصور الموجود في الأحكام المتعلقة بالسكن البديل التي نص عليها القانون رقم ١٠ (المادة ٢ الفقرة ٢٤). وهي أحكام لا شك تشكل انتهاكاً صارخاً لحق الملكية الذي يكفله الدستور السوري (مادة ١٥) والمواثيق الدولية. ولذلك تبقى المخاوف والشكوك قائمة حول مدى تأثير هذه القوانين على حق اللاجئين والمهجرين داخلياً في العودة وحقهم في استعادة أملاكهم.

لذلك، سوف تتضمن هذه الورقة قراءة مفصلة للمرسوم رقم ٤٢ لعام ٢٠١٨ تشرح التعديلات التي جاء بها المرسوم، بالإضافة إلى ملاحظاتنا حول قوانين الملكية الجديدة التي أصدرتها الحكومة السورية.

أولاً: فيما يتعلّق بالقانون رقم ١٠ لعام ٢٠١٨
1- عدّل القانون مهلة التقدّم بتصاريح الملكيّة وبادعاءات الحقوق العينية وجعلها سنة ميلادية كاملة بدءاً من تاريخ الإعلان عن المنطقة التنظيمية، حيث كانت المهلة ثلاثون يوماً وفقاً للقانون رقم 10 (المادة ١ فقرة أ).
2- اعتبر القانون أنّ الحقوق المدونة في السجلات العقاريّة صحيحة وسارية ومعتمدة أمام “اللجان المختصة بحل الخلافات والتقدير والتوزيع” حتى يثبت عكسها بالطرق القانونية، سواءٌ أتقدّم بها أصحابها أم لم يتقدّموا أو تقدموا بها خارج مدة السنة. بمعنى آخر أوجب القانون على اللجان المختصة أخذ قيود السجلات العقارية بعين الاعتبار سواء أحضر الملاّك وأصحاب الحقوق أمامهم أم لم يحضروا وسواءٌ تقدّموا بادعاءاتهم أم لم يتقدّموا بها، وهذا أمر مفروغٌ منه بالنظر لما تتمتع به قيود السجلات العقارية من قوة ثبوتيّة وحجّيّة على الناس كافّة (مادة ١ فقرة ج).
3- إنّ الدعوة من قبل الجهة الإدارية يجب أن تشمل: المالكين وأصحاب الحقوق العينيّة مثل إشارات الدعاوى والرهن والحجز والامتياز والتأمين ومنع التصرف، سواءٌ أكانت هذه الحقوق مثبتة بطرق رسمية مثل الأحكام القضائية والعقود الموثّقة في الدوائر الرسمية أم لا. كما إن هذه الملكيات والحقوق تشمل ما ورد منها في سجلات الدوائر العقارية وما ورد في باقي السجلات التي تأخذ حكمها مثل سجلات القيد المؤقت وسجلات البلديات ومؤسسات الإسكان العسكري والجمعيات السكنيّة (مادة ١ فقرة أ).
4- إنّ الأدلّة الثبوتيّة الواجب تقديمها يمكن أن تكون المستندات الرسمية أو حتى مجرّد صور عنها، وفي حال عدم وجودها يمكن لأصحاب العلاقة أن يذكروا بالتفصيل بشكل خطي اوصاف ملكياتهم وحدودها ومساحتها وأنواعها الشرعية والقانونية أو طبيعة الحقوق العينية وكل ما لهم أو عليهم من حقوق وادعاءات عينيّة، مما يعني أنّ القانون فتح المجال لهم لإثباتها بالطرق المقبولة قانوناً أمام اللجان الإدارية والقضائية المختصّة أو أمام المحاكم مستقبلاً.
5- إنّ من يحق لهم التقدّم بتصاريح وادعاءات الملكية والحقوق هم أصحاب العلاقة ذاتهم، أصالة عن أنفسهم أو بالوصاية عن القصّر الذين يمثلونهم أو بالوكالة عن موكليهم (مادة ١ فقرة أ). سمح القانون أيضاً لأقارب الملّاك وأصحاب الحقوق حتى الدرجة الرابعة وبدون وكالة تمثيلهم للمطالبة بحقوقهم وإثباتها والدفاع عنها، ويشمل ذلك الأصول (الآباء والأجداد وآبائهم، الخ) والفروع (الأبناء والأحفاد وأبناء الأحفاد)، والأخوة والأخوات وأولادهم وأحفادهم، والأعمام والعمّات والأخوال والخالات وأولادهم. كما نص القانون على السماح بالتوكيل للغير بهذا الخصوص (مادة ١ فقرة ب).

ثانياً: فيما يتعلّق بالمرسوم التشريعي رقم ٦٦ لعام ٢٠١٢
1- لقد نصّ القانون على وجوب تشكيل لجان ذات اختصاص قضائي للنظر في الاعتراضات والخلافات وادعاءات الملكية وكافة المنازعات العينيّة لمتعلقة بعقارات المنطقة التنظيمية (مادة ٢ فقرة أ).
2- ينعقد اختصاص هذه اللجان سواء أسبق التصريح بالملكية والحقوق أمام لجان التقدير ام لم يتم ذلك (مادة ٢ فقرة أ).
3- يجب على المحاكم أن تتخلّى عن نظر الدعاوى المتعلقة بالملكية والحقوق العينيّة المقامة أمامها فيما يخص عقارات هذه المنطقة التنظيمية، ويجب عليها أن تحيلها إلى هذه اللجان ذات الاختصاص القضائي ما لم يكن قد صدر بها حكم مبرم (مادة ٢ فقرة أ).
4- إنّ الحقوق الشخصية مثل حقوق الإيجار والاستثمار غير مشمولة بهذا القانون.
5- أبقى القانون الباب مفتوحاً أمام أصحاب الحقوق الذين لم يعلموا بصدور مراسيم إحداث المناطق التنظيمية التي تمسّ حقوقهم، وكذلك الذين لم يتمكنوا من التصريح بملكياتهم أو بحقوقهم العينية أمام لجان التقدير وأمام لجان حلّ الخلافات، وذلك لمراجعة القضاء المختص وفق القواعد العامّة التي تحكم هذا الأمر (مادة ٢ فقرة ب).

ملاحظات عامّة
1- إنّ التطبيق العملي لهذه القوانين هو الفيصل في تحديد مدى حمايتها لحقوق المالكين وأصحاب الحقوق العينية، ولا يمكن التنبّؤ بذلك قبل صدور التعليمات التنفيذية لهذه القوانين والمباشرة بحالات محددة بعينها. السبب في ذلك عدم الثقة المبرّرة بأداء أجهزة ومؤسسات الدولة السورية سواء الإدارية أم القضائية منها.
2- إنّ الكثير من الإجراءات المنصوص عليها في القانون يمكن أن يتمّ نسفها من أساسها بتعليمات خارجيّة، مثل تلك التي تشترط الحصول على الموافقات الأمنيّة لبعض أنواع الوكالات.
3- إنّ هذه القوانين لا تقدّم الضمانات الكافية لحماية حقوق المعارضين السياسيّين أو حتى المواطنين العاديّين، طالما أنّ الحكومة السورية يمكنها أن تحيلهم إلى محكمة الإرهاب وتحاكمهم غيابيّاً وتصدر بحقهم أحكاماً بمصادرة أملاكهم أو بالحجز عليها، كما يمكنها القيام بذلك عن طريق وزارة الماليّة وغيرها من أجهزة الدولة التي سخّرتها لمعاقبة المعارضين أو المشكوك بولائهم له.
4- إنّ هذه القوانين لا يمكن بأيّ حال من الأحوال أن تشكل ضمانة تشجع اللاجئين والمهجرين السوريين على العودة إلى سوريا، بل على العكس فإنها تشكل عائقاً وانتهاكاً لحق العودة.

دليل حقوق الإنسان والأعمال التجارية من أجل سوريا

مشاهدات

بدعم من الاتحاد الأوروبي ووزارة الخارجية السويسرية ووزارة الخارجية الهولندية ومنظمة “إمبونتي ووتش”، يسر وحدة حقوق الإنسان والأعمال التابعة لبرنامج التطوير القانوني السوري أن تقدم دليل حقوق الإنسان والأعمال لسوريا.

يهدف الدليل إلى مساعدة المدافعين عن حقوق الإنسان الذين يعملون في الشأن السوري على تحديد وتوثيق ومشاركة ومناصرة قضايا حقوق الإنسان المرتبطة بالأنشطة التجارية في سوريا ومحاسبة منتهكي حقوق الإنسان المتعلقة بالأعمال. إنه مصمم خصيصًا للنزاع السوري وموجه لمنظمات المجتمع المدني السورية ومدافعي حقوق الإنسان الفرديين القلقين بشأن تأثير الشركات على وضع حقوق الإنسان في سوريا.

الأنشطة التجارية المتعلقة بحقوق الإنسان في سوريا

مشاهدات

وثقت وحدة حقوق الإنسان والأعمال التابعة للبرنامج السوري للتطوير القانوني، منذ تأسيسها في إبريل 2018، الأنشطة المتعلقة بالأعمال التجارية التي قد تساهم في جرائم دولية وانتهاكات لحقوق الإنسان في سوريا بشكل مستمر. وقد اختار البرنامج السوري للتطوير القانوني نشر النتائج من
هذه الفترة على وجه الخصوص (1 أبريل – 30 سبتمبر 2018) على عكس الفترة الأكثر حداثة لتجنّب تعريض التحقيقات الحالية للخطر في الأنشطة الأكثر حداثة المتعلقة بالأعمال وتأثيراتها على حقوق الإنسان. للحصول على معلومات معينة في تاريخ حديث، نرجو التواصل مع الفريق.

يهدف البرنامج السوري للتطوير القانوني من خلال هذا التقرير إلى توفير الأدلة عن أنواع الانتهاكات لحقوق الإنسان والجرائم الدولية التي تساهم الأنشطة التجارية في سوريا بارتكابها. كما يهدف أيضا إلى تمكين المجتمع المدني السوري والفاعلين الدوليين، عن طريق تزويدهم بالمعلومات التي يحتاجونها، للاستجابة للانتهاكات المحتملة للقانون الدولي من قبل النخب التجارية السورية والشركات متعددة الجنسيات وغيرهم من الفاعلين في المجال التجاري في سوريا

دليل حول الإجراءات الخاصة لمجلس حقوق الإنسان في السياق السوري‎

مشاهدات

في إطار استمرار عمل وحدة الدعم بالقانون الدولي على دعم انخراط منظمات المجتمع المدني السوري المستدام والفعال مع آليات الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، واستكمالاً لسلسلة المبادرات والنشاطات التي قدمتها و/أو يسّرتها الوحدة من ورشات عمل وتدريبات، جلسات معلومات، لقاءات مع المنظمات الشريكة وتلك الآليات، بالإضافة إلى دعم العشرات من المراسلات الموجهة إلى الإجراءات الخاصة لمجلس حقوق الإنسان، يسرّ البرنامج السوري للتطوير القانوني أن يضع بين أيديكم دليلاً عملياً حول عدد من الإجراءات الخاصة ذات الصلة بالسياق السوري.